فهذا الرجل المبارك ذو العقل الرشيد ما يزال يقطع الطريق دون أن يُعاني الـضيقَ كأخيه، ذلك لأنه لا يفكّر إلّا في الأشياء الجميلة -لِما له من جمال الخُلُق- ولا يأخذ بعِنان الخيال إلّا بما هو جميل ولطيف. لذا كان يستأنس بنفسه ولا يلاقي الصعوبة والمشقة كأخيه. ذلك لأنه يعرف النظامَ، ويعمل بمقتضى الولاء والاتباع. فيرى الأمور تسهُل له، ويمضي حرا منطلقا مستظلا بالأمان والاستقرار. وهكذا مضى حتى وجَد بستانا فيه أزهار جميلة وفواكهُ لطيفة وثمةَ جُثثُ حيواناتٍ وأشياء منتنة مبعثرة هنا وهناك بسبب إهمال النظافة.
كان أخوه الشقيُّ قد دخل -من قبلُ- في مثل هذا البستان أيضا غير أنه انشغل بمشاهدة الجِيَف الميتة وإنعام النظر فيها مما أشعرَه بالغَثَيان والدُّوار، فغادره دون أن يأخذ قسطا من الراحة لمواصلة السير. أما هذا الأخ فعملا بقاعدة «انظر إلى الأحسن من كل شيء» فقد أهمل الجيَف ولم يلتفت إليها مطلقا، بل استفاد مما في البستان من الأشياء والفواكه. وبعدَما استراح فيه الراحة التامة مضى إلى سبيله.
ودخل -هو أيضا كأخيه- في صحراء عظيمة ومفازة واسعة. وفجأة سَمِع صوتَ أسد يهجم عليه فخاف إلّا أنه دون خوف أخيه، حيث فكّر بحُسن ظنِّه وجمالِ تفكيره قائلا: «لابد أن لهذه الصحراء حاكما، فهذا الأسدُ إذن يُحتَمل أن يكون خادما أمينا تحت إمرته..». فوجد في ذلك اطمئنانا، غير أنه فرّ كذلك حتى وصل وجها لوجه إلى بئر معطّلة بعمق ستين ذراعا فألقى نفسه فيها وأمسك -كصاحبه- بشجرةٍ في منتصف الطريق من البئر وبقي معلقا بها. فرأى حيوانين اثنين يقطعان جَذرَي تلك الشجرة رويدا رويدا. فنظر إلى الأعلى فرأى الأسد، ونظر إلى الأسفل فرأى ثعبانا ضخما، ونظر إلى نفسه فوجدها -كأخيه تماما- في وضع عجيب غريب. فدهش من الأمر هو كذلك، إلّا أنه دون دهشة أخيه بألف مرة، لِما منَحه الله مــن حُسن الخلُق وحُسن التفكير والفكر الجميلِ الذي لا يُريهِ إلّا الجهةَ الجميلة من الأشــــياء. ولهذا الســبب فقد فكّر هكذا: «إن هـــذه الأمورَ العجيبة ذاتُ علاقات مترابطة بعضها ببعض، وإنّها لَتظهر كأن آمرا واحدا يحرّكها. فلابــد إذن أن يكون في هذه الأعمال المحيّرة ســرّ مغلق وطلسم غيرُ مكشوف.
أجل، إن كل هذا يَرجِع إلى أوامرِ حاكم خفيٍّ، فأنا إذن لستُ وحيدا، بل إن ذلك الحاكمَ الخفي ينظر إليّ ويرعاني ويختبرني، ولحكمةٍ مقصودة يسوقني إلى مكان، ويدعوني إليه.»
كان أخوه الشقيُّ قد دخل -من قبلُ- في مثل هذا البستان أيضا غير أنه انشغل بمشاهدة الجِيَف الميتة وإنعام النظر فيها مما أشعرَه بالغَثَيان والدُّوار، فغادره دون أن يأخذ قسطا من الراحة لمواصلة السير. أما هذا الأخ فعملا بقاعدة «انظر إلى الأحسن من كل شيء» فقد أهمل الجيَف ولم يلتفت إليها مطلقا، بل استفاد مما في البستان من الأشياء والفواكه. وبعدَما استراح فيه الراحة التامة مضى إلى سبيله.
ودخل -هو أيضا كأخيه- في صحراء عظيمة ومفازة واسعة. وفجأة سَمِع صوتَ أسد يهجم عليه فخاف إلّا أنه دون خوف أخيه، حيث فكّر بحُسن ظنِّه وجمالِ تفكيره قائلا: «لابد أن لهذه الصحراء حاكما، فهذا الأسدُ إذن يُحتَمل أن يكون خادما أمينا تحت إمرته..». فوجد في ذلك اطمئنانا، غير أنه فرّ كذلك حتى وصل وجها لوجه إلى بئر معطّلة بعمق ستين ذراعا فألقى نفسه فيها وأمسك -كصاحبه- بشجرةٍ في منتصف الطريق من البئر وبقي معلقا بها. فرأى حيوانين اثنين يقطعان جَذرَي تلك الشجرة رويدا رويدا. فنظر إلى الأعلى فرأى الأسد، ونظر إلى الأسفل فرأى ثعبانا ضخما، ونظر إلى نفسه فوجدها -كأخيه تماما- في وضع عجيب غريب. فدهش من الأمر هو كذلك، إلّا أنه دون دهشة أخيه بألف مرة، لِما منَحه الله مــن حُسن الخلُق وحُسن التفكير والفكر الجميلِ الذي لا يُريهِ إلّا الجهةَ الجميلة من الأشــــياء. ولهذا الســبب فقد فكّر هكذا: «إن هـــذه الأمورَ العجيبة ذاتُ علاقات مترابطة بعضها ببعض، وإنّها لَتظهر كأن آمرا واحدا يحرّكها. فلابــد إذن أن يكون في هذه الأعمال المحيّرة ســرّ مغلق وطلسم غيرُ مكشوف.
أجل، إن كل هذا يَرجِع إلى أوامرِ حاكم خفيٍّ، فأنا إذن لستُ وحيدا، بل إن ذلك الحاكمَ الخفي ينظر إليّ ويرعاني ويختبرني، ولحكمةٍ مقصودة يسوقني إلى مكان، ويدعوني إليه.»
Yükleniyor...