لم يكن هذا الرجل ليفهمَ -لسوء إدراكه وحماقته- بأن هذا الأمر ليس اعتياديا، ولا يمكن أن تأتي كل هذه الأشياء مصادفةً ومن دون قصد. ولم يكن يفهم أنّ في هذه الشؤون العجيبة أسرارا غريبةً، وأن هناك وراء كل ذلك مَن يدبّر هذه الأمور ويُسيّرها.
فبينما يبكي قلبُ هذا الرجل وتصرخ روحُه ويحار عقلُه من أوضاعه الأليمة إذا بنفسه الأمّارة بالسوء أخذتْ تلتهم فواكهَ تلك الشجرة متجاهلةً عما حولها وكأن شيئا لم يحدث، سادّةً أذنيها عن صرخاتِ القلب وهواتفِ الروح، خادعةً نفسها بنفسها رغم أن قسما من تلك الفواكه كانت مسمومةً ومضرةً.
وهكذا نرى أن هذا الرجل الشقي قد عومِل بمثل ما جاء في الحديث القدسي «أنَا عِندَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» (1) أي أنا أعامل عبدي مثلما يعرفني هو. فلقد عومل هكذا، وسيُعامل مثلها أيضا، بل لابد أن يرى مثلَ هذه المعاملة جزاءَ تلقّيه كلَّ ما يشاهده أمرا عاديا بلا قصدٍ ولا حكمة وكأنه الحقُّ بعينه. وذلك لسوء ظنِه وبلاهته الخرقاء، فصار يتقلّب في نار العذاب ولا يستطيع أن يموت لينجوَ ولا يقدِر على العيش الكريم. ونحن بدورنا سنرجع تاركين وراءنا ذلك المشؤومَ يتلوّى في عذابه لنعرِفَ ما جرى للأخ الآخر من أحوال.
Yükleniyor...