البرهان الأول
تعالَ معي يا صاحبي لنتأمل ما حولنا من أشياء وأمور. ألا ترى أنّ يدا خفية تعمل من وراء الأمور جميعها؟ أوَ لا ترى أن ما لا قوة له أصلا ولا يقوى على حَمل نفسِه (1) يحمل آلافَ الأرطال من الحمل الثقيل؟ أوَ لا تشاهد أنّ ما لا إدراك له ولا شعور يقوم بأعمالٍ في غاية الحكمة؟ (2) فهذه الأشياء إذن لا تعمل مستقلةً بنفسها، بل لابد أنّ مولىً عليما، وصانعا قديرا يديرها من وراء الحجب. إذ لو كانت مستقلةً بذاتها، وأمرُها بيدها، لَلَزم أن يكون كلُّ شيء هنا صاحبَ معجزة خارقة. وما هذه إلّا سفسطة لا معنى لها!
البرهان الثاني
تعالَ معي يا صاحبي لنمعن النظر في هذه الأشياء التي تزيّن الميادين والساحات، ففي كل زينة منها أمور تخبرنا عن ذلك المالك وتدلّنا عليه. كأنها سكّتُه وختمُه. كما تدلنا طغراءُ السـلطان وختمُه على وجوده، وتُنبئنا سـكّتُه التي علـى مسكوكاته عن عظمته وهيبته. فإن شئت فانظر إلى هذا الجسـم الصغير جدا الذي لا يكاد الإنسان يعرف له وزنا، (3) قد صنع منه المولى أطوالا من نسيج ملوّن بألوان زاهية ومزركش بزخارف باهرة، ويُخرج منه ما هو ألذّ من الحلويات والمعجنات المعسّلة، فلو لبس آلاف من أمثالنا تلك المنسوجات وأكل من تلك المأكولات لما نفدت.
Yükleniyor...