الكنـز الثاني: أنّ كل مَن يأكل من محاصيل بستانك -سواء أكان حيوانا أمْ إنسانا شاريا أو سارقا- يكون بحكم «صدقةٍ جارية» لك، فيما إذا نظرت إلى نفسك كأنّك وكيل وموظف لتوزيع مال الله سبحانه وتعالى على مخلوقاته، أي تتصرف باسم الرزاق الحقيقي وضمن مرضاته.

والآن تأمّلْ في الذي ترك الصلاة، كم هو خاسر خسرانا عظيما؟! وكم هو فاقد من تلك الثروة الهائلة؟! وكيف أنّه سيبقى محروما ومفلسا من ذينك الكنـزين الدائمين اللذين يمدان الإنسان بقوة معنوية للعمل ويشوّقانه للسعي والنشاط؟! حتى إذا بلغ أرذلَ عمره، فإنّه سوف يملّ ويضجر مخاطبا نفسه: «وما عليّ؟! لِمَ أتعِبُ نفسي؟ لأجلِ مَن أعمَلُ؟ فإنّني راحل من هذه الدنيا غدا» فيلقي نفسه في أحضان الكسل؛ بينما الرجل الأول يقول: «سأسْعى سعيا حثيثا في العمل الحلال بجانب عبادتي المتزايدة كيما أرسل إلى قبري ضياءا أكثر وادّخر لآخرتي ذخيرة أزيد».

والخلاصة: اعلمي أيتها النفس! إنّ أمْس قد فاتكِ. أمّا الغد فلم يأتِ بَعْدُ، وليس لديك عهد أنّك ستملكينه، لهذا فاحسبي عمرك الحقيقي هو هذا اليوم. وأقلّ القليل أن تلقي ساعة منه في صندوق الادّخار الأخروي، وهو المسجد أو السَّجّادة لتضمني المستقبل الحقيقي الخالد.

واعلمي كذلك أن كل يوم جديد هو باب ينفتح لعالم جديد -لك ولغيرك- فإن لم تؤدي فيه الصلاة فإن عالم ذلك اليوم يرحل إلى عالم الغيب مُظلما شاكيا محزونا، وسيشهد عليك. وأنّ لكلٍّ منا عالمَه الخاص من ذلك العالم، وأنّ نوعيته تتبع عملنا وقلبنا. مَثلُه في ذلك مثلُ المرآة، تظهر فيها الصورة تبعا للونها ونوعيتها. فإن كانت مسودّة فستظهر الصورة مسودّة، وإن كانت صقيلة فستظهر الصورة واضحة، وإلا فستظهر مشوهة تضخم أتفه شيء وأصغره. كذلك أنت، فبقلبك وبعقلك وبعملك يمكنك أن تغيري صورَ عالمكِ، وباختيارك وطوع إرادتك يمكنك أن تجعلي ذلك العالم يشهد لك أو عليك.

وهكذا إن أدّيتَ الصلاة وتوجهت بصلاتك إلى خالق ذلك العالم ذي الجلال، فسيتنور ذلك العالم المتوجه إليك حالا، وكأنّك قد فتحت بنيّة الصلاة مفتاح النور فأضاءَه مصباح


Yükleniyor...