التنبيه الثالث

يا نفسي الجزعة! إنّكِ تضطربين اليوم من تذكر عناء العبادات التي قمت بها في الأيام الماضية، ومن صعوبات الصلاة وزحمة المصائب السابقة، ثم تتفكرين في واجبات العبادات في الأيام المقبلة وخدمات أداء الصلوات، وآلام المصائب، فتظهرين الجزع، وقلة الصبر ونفاده. هل هذا أمر يصدر ممَّن له مِسْكة من عقل؟

إنّ مثلكِ في عدم الصبر هذا مثلُ ذلك القائد الأحمق الذي وجَّه قوةً عظيمة من جيشه إلى الجناح الأيمن للعدو، في الوقت الذي التحق ذلك الجناح من صفوف العدو إلى صفّه، فأصبح له ظهيرا. ووجّه قوته الباقية إلى الجناح الأيسر للعدو، في الوقت الذي لم يكن هناك أحد من الجنود. فأدرك العدو نقطة ضعفه فسدد هجومَه إلى القلب فدمّره هو وجيشَه تدميرا كاملا.

نعم، إنكِ تشبهين هذا القائد الطائش، لأنّ صعوباتِ الأيام الماضية وأتعابها قد ولّت، فذهبت آلامُها وظلت لذّتها وانقلبت مشقتها ثوابا، لذا لا تولّد مللا بل شوقا جديدا وذوقا نديّا وسعيا جادا دائما للمضيّ والإقدام. أمَّا الأيام المقبلة، فلأنها لم تأتِ بعدُ، فإنّ صرف التفكير فيها من الآن نوع من الحماقة والبلهِ، إذ يشبه ذلك البكاءُ والصراخ من الآن، لما قد يحتمل أن يكون من العطش والجوع في المستقبل!..

فما دام الأمر هكذا، فإن كان لك شيء من العقل، ففكري من حيث العبادة في هذا اليوم بالذات. قولي سأصرف ساعة منه في واجبٍ مهم لذيذ جميل، وفي خدمةٍ سامية رفيعة ذات أجر عظيم وكلفة ضئيلة. وعندها تشعرين أنّ فتورَك المؤلم قد تحوّل إلى همة حلوة، ونشاط لذيذ.

فيا نفسي الفارغة من الصبر! إنّكِ مكلفة بثلاثة أنواع من الصبر.

الأول: الصبر على الطاعة.

الثاني: الصبر عن المعصية.

الثالث: الصبر عند البلاء.

Yükleniyor...