غيابية، لدى مشاهدةِ المخلوقات، ارتقوا إلى درجة النظر إلى معاملة الصانع الحكيم وشهودها ومعاملة أفعاله معاملةً حضورية، وذلك أنهم: قابلوا أولا تعريفَ الخالق الجليل نفسَه لذوي الشعور بمعجزات صنعته.. قابلوه بمعرفةٍ ملؤُها العَجَبُ والحيرةُ قائلين: سبحانك ما عرفناك حقَّ معرفتك (2) يا معروفُ بمعجزات جميع مخلوقاتك.

ثم استجابوا لتحبّب ذلك الرحمن بثمرات رحمته سبحانه، بمحبةٍ وهيام مرددين: ﹛﴿ اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ اِيَّاكَ نَسْتَع۪ينُ ﴾|﹜.

ثم لَبّوا ترحّم ذلك المنعم الحقيقي بنِعَمه الطيبة وإظهار رأفته عليهم، بالشكر والحمد، وبقولهم: سبحانك ما شكرناك حق شكرك يا مشكورُ بألْسِنة أحوالٍ فصيحة تنطق بها جميعُ إحساناتك المبثوثة في الكون، وتُعلن الحمدَ والثناء إعلاناتُ نِعَمِك المعدّة في سوق العالم والمنثورة على الأرض كافة. فجميع الثمرات المنضّدة لرحمتك الواسعة، وجميع الأغذية الموزونة لنعمك العميمة، توفي شكرَها بشهادتها على جُودك وكرمك لدى أنظار المخلوقات.

ثم قابلوا إظهار كبرياء جماله وجلاله وكماله سبحانه، في مرايا الموجودات المتبدلة على وجه الكون، بقولهم: الله أكبر، وركعوا في عَجز مكلّل بالتعظيم، وهَوَوا إلى السجود في محبة مفعمة بالذل والفناء لله، وفي غمرة إعجاب وتعظيم وإجلال. ثم أجابوا إظهار ذلك الغني المطلق سبحانه ثروتَه التي لا تنفد ورحمتَه التي وسعتْ كلَّ شيء، بالدعاء المُلحّ والسؤال الجاد، بإظهار فقرهم وحاجتهم قائلين: إياك نستعين.

ثم استقبلوا عرضَ ذلك الخالق الجليل لِلَطائف صنائعه وروائع بدائعه ونشره لها في معارضَ أمام أنظار الأنام، بالإعجاب والتقدير اللازمين، قائلين: ما شاء الله، تبارك الله، ما أجملَ خلقَ هذا.. شاهدين مستحسنين لها، هاتفين: هلمّوا لمشاهدة هذه البدائع، حيّ على الفلاح.. اشهدوها وكونوا شهداء عليها.

ثم أجابوا إعلان ذلك السلطان العظيم -سلطان الأزل والأبد- لربوبية سلطنته في الكون كلِّه، وإظهاره وحدانيته للوجود كافة، بقولهم: سمعنا وأطعنا.. فَسمعوا، وانقادوا


Yükleniyor...