الموجود مخلوقا ومرزوقا) تدل على شؤون «الخالقية والرزاقية» دلالة قاطعة.. فوجود هذه الصفات أيضا يدل بالضرورة وبالبداهة على «الخلاّق الرزّاق، والصانع الرحيم».. أي إن كل موجود يشهد على «الذات الأقدس لواجب الوجود» وعلى مئات من أسمائه الحسنى بما يحمل من مئاتٍ من أمثال تلك الصفات.

فإن لم تقبل أيها الإنسان بجميع هذه الشهادات فينبغي لك إذن إنكار أمثال تلك الصفات كلها.

النافذة السادسة والعشرون (3)

إنّ أنواع الجمال الزاهر، وأشكالَ الحسن الباهر، التي تتلألأ على وجوه الكائنات السريعةِ الأفول، ثم تتابعَ هذا الجمال وتجددَه بتجدد هذه الكائنات، واستمرارَه باستمرار تعاقبها.. إنما يُظهر أنه ظِل من ظلال تجليات جمال سرمدي لا يحول ولا يزول. تماما كما أن تلألؤ الحباب على وجه الماء الرقراق، وتتابعَ هذا اللمعان في تتابع الحباب يدل على أن الحباب والزبد والتموجات التي تطفو على سطح الماء إنما تمثل مرايا عاكسة لأشعة شمسٍ باقية.. فتلمّع أنواعِ الجمال أيضا على الموجودات السيالة في نهر الزمان الجاري يشير إلى جمال سرمدي خالد، ويدل على أن تلك الموجودات إنما تمثل إشارات وعلامات على ذلك الجمال.

ثم إن ما يخفق به قلب الكون من حُبٍّ جاد وعشق صادق يدل على معشوق دائمٍ باقٍ.. إذ كما لا يظهر شيء في الثمرة ما لم يوجد في الشجرة نفسها، فكذلك العشقُ الإلهي العَذْب الذي يستحوذ على قلب الإنسان، وهو ثمرة شجرة الكون، يبين أن عشقا خالصا ومحبةً صادقة بأشكال شتّى، مغروزةٌ في كيان الكون كله، وتتظاهر بأشكال شتّى. هذا الحب المالكُ قلبَ الكون يُفصح عن محبوب خالد سرمدي.

ثم إن ما تمور به قلوبُ اليقظين الراشدين من أصفياء الناس، وما يشعرون به من انجذاب، وما يؤرقهم من وَجْد، وما يحسون به من جذبات، وما تتدفق به صدورُهم من تَوق وحنين، إنما يدل على أن حنايا ضلوع الكون تعاني ما يعاني الإنسان، وتكاد تتمزق من شدة انجذابها وعظيم جذباتها، التي تتظاهر بصور متنوعة. وهذا الجذب لا ينشأ إلّا من جاذب حقيقي، وجاذبية باقية أبدية.


Yükleniyor...