والاسمُ يشهد على صفة.. والصفةُ تشهد على شأن.. والشأنُ يشهد على ذات. لذا فإنّ كلا منها مثلما يشهد شهادة صادقة على صانع جليل واحد أحد واجب الوجود، ويشير إلى أحديته.. أي مثلما أن هناك شهادات وإشارات بعدد المخلوقات إلى التوحيد، فإن كلا منها أيضا مع مجموع الآثار والمخلوقات في الكون إنما هو معراج عظيم لمعرفة الله سبحانه، له من القوة ما للمخلوقات جميعا.. فضلا عن أنه برهان دامغ على الحقيقة، لا يمكن أن تدنو منه أيةُ شبهة مهما كانت.

والآن أيها الغافل الجاحد! بماذا تستطيع أن تجرح هذا البرهانَ القوي قوة الكون؟ وبماذا تستر هذه النافذة الواسعة التي تبين شعاعات الحقيقة من ألف نافذة ونافذة، بل من نوافذ بعدد المخلوقات؛ وبأي غطاء الغفلة يمكنك أن تسترها؟!

النافذة التاسعة عشرة

﹛﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمٰوَاتُ السَّبْعُ وَالْاَرْضُ وَمَنْ ف۪يهِنَّۜ وَاِنْ مِنْ شَيْءٍ اِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه۪ ﴾|﹜ (الإسراء:٤٤)


نعم، مثلما أودعَ الصانعُ الجليل حِكَما لا تُعَدُّ، ومعانيَ ساميةً لا تحصى في الأجرام السماوية، فزيَّن تلك السماوات بكلمات الشموس والأقمار والنجوم لتعبّر عن جلاله وجماله سبحانه.. كذلك ركّب جلَّ وعلا في موجودات جو السماء حِكَما عالية، وعلّق عليها معاني سامية، ومقاصد عظمى، وأنطقَ جوَّ السماء بكلمات الرعود والبروق وقطرات الأمطار ليُعْلَمَ بها، ويُعَرّفَ عن طريقها كمالَ حكمته، وجمالَ رحمته.

ومثلما جعل سبحانه وتعالى كرةَ الأرض تتكلم بكلماتٍ ذات مغزى، وأنطَقَها بما بث فيها من الحيوانات والنباتات التي هي كلمات بليغة، مبيّنا بذلك كمالَ صنعته للوجود.. كذلك جعل النباتات والأشجار نفسَها تنطق بلسان أوراقها وأزهارها وثمارها، معلنةً كمالَ صنعته سبحانه، وجمال رحمته جل جلاله.. وجعل الزهرةَ أيضا، والثمرةَ كذلك وهي كلمة واحدة من تلك الكلمات.. جعلها البارئ المصوّر تتكلم بلسان بُذيراتها الدقيقة، فأشار بها سبحانه إلى دقائق صنعته، وكمال ربوبيته، لمن يُحسن الرؤية من ذوي الإحساس والشعور.

فدونك -إن شئتَ- الاستماع إلى ما لا يحدّ من كلمات التسبيح والأذكار في الكون.


Yükleniyor...