هذه الوفرةُ أن تكون الأشياء رخيصة بسيطة، إذا بنا نشاهدها في غاية النفاسة ومنتهى الجودة. شَاهِدْ الآثار البديعة المعدَّة لمائدة الأرض، وأمعن النظر في ثمرة واحدة، ولتكن ثمرة التوت مثلا. ألا تمثل هذه الثمرة نموذجا رائعا لحلوى مصنوعة بيد القدرة الإلهية؟ شاهد كمالَ الرحمة، من ثنايا كمالِ الإبداع.

وهكذا نشاهد على وجه الأرض جميعِه؛ جودةً ونفاسة في المصنوعات رغم وفرتها غير المتناهية..ونرى ضمن هذه الوفرة تميّزا للموجودات رغم اختلاطها وتشابكها.. ونجد في هذا الاختلاط والتشابك اتفاقا وتشابها في الموجودات رغم البُعد فيما بينها.. ونبصر من ثنايا هذا التوافق جمالا رائعا في الموجودات ورعاية بالغة بها رغم السهولة المتناهية في إيجادها. ونلمح ضمن هذه الرعاية التامة تقديرا دقيقا بلا إسراف وموازنة حسَّاسة رغم السرعة في إيجادها.. ونلاحظ ضمن هذا التقدير والموازنة وعدم الإسراف إبداعا في الصنعة وروعة فيها رغم كثرتها المتناهية. ونشاهد ضمن هذه الروعة في الصنعة انتظاما بديعا رغم السخاء المطلق في إيجادها..

فإذا تأملنا في هذه الأمور كلها، نراها تدل دلالةً واضحةً أوضح من دلالة النهار على الضياء، وأسطع من دلالة الضياء على الشمس؛ على وجوب وجود قدير ذي جلال، وحكيم ذي كمال، ورحيم ذي جمال، وتشهد على وحدانيته، وأحديته وكمال قدرته وجمال ربوبيته، وتبين بجلاء سرا من أسرار الآية الكريمة: ﹛﴿ لَهُ الْاَسْمَٓاءُ الْحُسْنٰى ﴾|﹜ (طه:٨).

وبعد، فيا أيها الغافل العنيد، ويا أيها الجاهل المسكين! بماذا تفسر هذه الحقيقة العظمى التي تراها رأي العين؟ وبماذا توضح هذه الأوضاع الخارقة المعروضة أمامك؟ وإلى مَن تسند أمر هذه المصنوعات البديعة العجيبة؟ وبأيّ ستار من ستائر الغفلة يمكنك أن تستر هذه النافذة الواسعة سعةَ الأرض نفسها؟.

أين المصادفةُ التي تعتقد بها والطبيعةُ التي تعتمد عليها وهي بلا شعور؟ بل أين أوهامُ الضلالة التي تستند إليها، وتلازمها وترافقها وتصادقها؟! أين جميعُها أمام هذه الحقائق المحيرة والأحوال البديعة المذهلة؟ أليس محالا في مائة محال أن تدخل المصادفةُ في أمثال هذه الأمور؟ أوَ ليس محالا في ألف محال أن يُسنَد واحد من هذه الأمور إلى الطبيعة ناهيك عن


Yükleniyor...