نفسه، فاتحاد الحسن والعشق آتٍ من هذه النقطة.. ولما كان الجمال يحب نفسَه، فلابد أنه يريد رؤية نفسه في المرايا، فالنِعم الموضوعة على التمثال، والثمرات اللطيفة المعلقة على الصورة، تحمل لمعةً براقة من ذلك الجمال المعنوي -كلّ حسب قابليته- فتُظهر تلك اللمعات الساطعة نفسَها إلى صاحب الجمال، وإلى الآخرين معا.

وعلى غرار هذا المثال ينظّم الصانعُ الحكيم -ولله المثل الأعلى- الجنةَ والدنيا والسماوات والأرض والنباتات والحيوانات والجن والإنس والملك والروحانيات. أي بتعبير موجز ينظم سبحانه جميعَ الأشياء كليّها وجزئيها.. ينظمها جميعا بتجليات أسمائه الحسنى ويعطي لكلٍّ منها مقدارا معينا حتى يجعله يستقرئ اسم «المقدر، المنظم، المصور».

وهكذا بتعيينه سبحانه وتعالى حدودَ الشكل العام لكل شيء تعيينا دقيقا يُظهر اسمَي «العليم، الحكيم». ثم يرسم بمسطرة العلم والحكمة ذلك الشيء ضمن الحدود المعينة، رسما متقنا إلى حد يُظهر معاني الصنع والعناية، أي اسمَي: «الصانع، الكريم».. ثم يضفي على تلك الصورة جمالا وزينة، بفرشاة العناية وباليد الكريمة للصنعة، فإن كانت الصورة أنسانا أضفى على أعضائه كالعين والأنف والأذن ألوانا من الحسن والجمال.. وإن كانت الصورةُ زهرةً أضفى سبحانه إلى أوراقها وأعضائها وخيوطها الرقيقة ألوانا من الجمال والرواء والحسن.. وإن كانت الصورة أرضا منح معادنَها ونباتاتها وحيواناتها ألوانا من الزينة وضروبا من الجمال والحسن.. وإن كانت الصورة جنة النعيم أسبغ على قصورها ألوانا من الحسن وعلى حورها أنواعا من الزينة.. وهكذا قس على هذا المنوال.

ثم يزّين ذلك الشيءَ وينوره بطرازٍ بديع من الزينة والنور حتى تحكُم عليه معاني اللطف والكرم فتجعل ذلك الموجود المزيَّن وذلك المصنوع المنوَّر لطفا مجسما وكرما متجسدا يذكّر باسمَي «اللطيف، الكريم». والذي يسوق ذلك اللطف والكرم إلى هذا التجلي إنما هو التودد والتعرّف، أي شؤون تحبيب ذاته الجليلة إلى ذوي الحياة وتعريفِ ذاته إلى ذوي الشعـور حتى يُقرأ على ذلك الشيء اسما «الودود والمعروف» اللذان هما وراء اسمَي «اللطيف، الكريم» بل يُسمعان قراءته لذينك الاسمَين من حال المصنوع نفسه. ثم يجمّل سبحانه ذلك الموجود المزيّن، وذلك المخلوق الجميل، بثمرات لذيذة، بنتائج محبوبة، فيحوّل جل وعلا


Yükleniyor...