والنباتات إلّا بأمر الله المالك لأمر: ﹛﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾|﹜ وكل شيء مسخّر لأمره، ولا يعمل إلّا بإذنه وإرادته وقوته.. وهذا يقين وثابت قطعا.. آمنا.

المبحث الثاني

هذا المبحث عبارة عن إشارة بسيطة إلى ما في حركات الذرات من وظائفَ وحِكَم.

إن الماديين الذين انحدرت عقولُهم إلى عيونهم، فلا يرون إلّا المادة، يرون بحِكمتهم الخالية من الحكمة وبفلسفتهم المبنية على أساس العبث في الوجود، أنّ تحولات الذرات مربوطة بالمصادفة. حتى اتخذوها قاعدة مقررة لدساتيرهم كلها، جاعلين منها مصدر إيجادٍ للمخلوقات الربانية!

فالذي يملك ذرة من الشعور يعلم يقينا مدى بُعدهم عن منطق العقل، في إسنادهم هذه المخلوقات المزدانة بحِكَمٍ غزيرة، إلى شيء مختلط عشوائي لا حكمةَ فيه ولا معنى.

أما المنظور القرآني وحكمتُه، فإنه يرى أنّ تحولات الذرات لها حِكَم كثيرة جدا وغايات لا تحصى ووظائفُ لاتحد، تشير إليها الآية الكريمة: ﹛﴿ وَاِنْ مِنْ شَيْءٍ اِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه۪ ﴾ |﹜ (الإسراء:٤٤) وأمثالُها من الآيات الكثيرة.

ونحن هنا نشير إلى بضعٍ منها فقط، على سبيل المثال:

أولاها: إنّ الله سبحانه وتعالى، لأجل تجديد تجليات الإيجاد في الوجود، يحرّك الذرات ويسخّرها بقدرته، جاعلا من كل روحٍ واحدة «نموذجا»، يُلبسها جسدا جديدا من معجزات قدرته في كل سنة، ويستنسخ من كلِّ كتابٍ فردٍ بحكمته التامة آلافَ الكتب المتنوعة، ويُظهر حقيقةً واحدة في أنماط مختلفة وصوَر شتى، ويفسح المجال ويعدّ المكان لورود أكوانٍ جديدة وعوالمَ جديدة وموجوداتٍ جديدة، طائفةً إثر طائفة.

ثانيتها: إن مالك الملك ذا الجلال، قد خلق هذه الدنيا، ولا سيما وجه الأرض، على هيئة مزرعة واسعة، أي مهّدها لتكون قابلةً لنمو محاصيل الموجوادت ونشوئها، وظهورِها بجدّتها وطراوتها، أي ليَزرع فيها معجزاتِ قدرته غير المتناهية ويحصدَها. ففي مزرعته الشاسعة هذه التي هي بسعة سطح الأرض، يُبرز سبحانه من معجزات قدرته كائناتٍ جديدة، في كل عصر،


Yükleniyor...