حياةٍ- متوجهة إلى المخلوق نفسه، وحكمة واحدة من وجوده تعود إليه، فإن آلافا من النتائج تعود إلى خالقه الحكيم وآلافا من الحِكَم تتوجه إلى فاطره الجليل.

أما دستورُ الفلسفة فهو: «أن حكمة خلقِ كلِّ كائن حي وفائدتَه متوجهة إلى نفسه، أو تعود إلى منافع الإنسان ومصالحه» هذه القاعدة تسلب من الموجودات حِكَما كثيرة أنيطت بها، وتعطي ثمرةً جزئية كحبة من خردل إلى شجرةٍ ضخمة هائلة، فتحوّل الموجودات إلى عبث لا طائل من ورائه.

فأين تلك الحكمةُ الصائبة من هذه القواعد الفاسدة للفلسفة -الفارغة من الحكمة- التي تصبغ الوجود كله بالعبث!.

ولقد قصرنا الكلام هنا على هذا القدر، حيث إننا قد بحثنا هذه الحقيقة في الحقيقة العاشرة من الكلمة العاشرة بشيء من التفصيل.

وبعد.. فيمكنك أن تقيس على منوال هذه الأمثلة الأربعة آلافا من النماذج والأمثلة وقد أشرنا إلى قسمٍ منها في رسالة «اللوامع».

ونظرا لاستناد الفلسفة إلى مثل هذه الأسس السقيمة ولنتائجها الوخيمة فإن فلاسفة الإسلام الدهاة، الذين غرَّهم مظهرُ الفلسفة البراق، فانساقوا إلى طريقها كابن سينا والفارابي، لم ينالوا إلّا أدنى درجات الإيمان، درجةِ المؤمن العادي، بل لم يمنحهم حجةُ الإسلام الإمام الغزالي حتى تلك الدرجة. وكذا أئمة المعتزلة، وهم من علماء الكلام المتبحرين، فلأنهم افتتنوا بالفلسفة وزينتِها وأوثقوا صلتهم بها، وحكّموا العقل، لم يظفروا بسوى درجةِ المؤمن المبتدع الفاسق. وكذا أبو العلاء المعري الذي هو من أعلام أدباء المسلمين والمعروفُ بتشاؤمه، وعمرُ الخيام(*) الموصوف بنحيبه اليتمي، وأمثالُهما من الأدباء الأعلام ممن استهوَتهم الفلسفةُ، وانبهرت نفوسُهم الأمارة بها.. فهؤلاء قد تلقَّوا صفعةَ تأديبٍ ولطمةَ تحقير وتكفير من قِبل أهل الحقيقة والكمال، فزَجروهم قائلين: «أيها السفهاء أنتم تمارسون السفَه وسوءَ الأدب، وتسلكون سبيل الزندقة، وتربّون الزنادقة في أحضان أدَبكم!».

ثم إن من نتائج الأسس الفاسدة للفلسفة أن «أنا» الذي ليس له في ذاته إلّا ماهية ضعيفة كأنه هواء أو بخار، لكن بشؤم نظر الفلسفة، ورؤيتِها الأشياء بالمعنى الاسمي، يتميّع.

Yükleniyor...