والأخرى: سلسلة الفلسفة والحكمة.

فمتى كانت هاتان السلسلتان متّحدتين وممتزجتين، أي في أي وقت أو عصر استجارت الفلسفةُ بالدين وانقادت إليه وأصبحت في طاعته، انتعشت الإنسانيةُ بالسعادة وعاشت حياةً اجتماعية هنيئة. ومتى ما انفرجت الشقةُ بينهما وافترقتا، احتشد النورُ والخير كلُّه حول سلسلة النبوة والدين، وتجمعت الشرورُ والضلالات كلُّها حول سلسلة الفلسفة.

والآن لنجد منشأ كلٍ من تلكما السلسلتين وأساسَهما:

فإن سلسلة الفلسفة التي عصت الدين، اتخذت صورةَ شجرةِ زقوم خبيثةٍ تنشر ظلماتِ الشرك وتنثرُ الضلالةَ حولها. حتى إنها سلّمت إلى يد عقولِ البشر، في غصن القوة العقلية، ثمراتِ الدهريين والماديين والطبيعيين. وألقت على رأس البشرية، في غصن القوة الغضبية، ثمراتِ النماريد والفراعنة والشدّادين.. (2) وربّت، في غصن القوة الشهوية البهيمية، ثمراتِ الآلهة والأصنام ومدّعي الألوهية.

وبجانب هذه الشجرةِ الخبيثة، شجرةِ الزقوم، نشأت شجرةُ طوبى العبوديةِ لله، تلك هي سلسلةُ النبوة، فأثمرت ثمراتٍ يانعةً طيبة في بستان الكرة الأرضية، ومَدّتها إلى البشرية، فتدلّت قطوفا دانيةً من غصن القوة العقلية: أنبياءٌ ومرسلون وصديقون وأولياء صالحون.. كما أثمرت في غصن القوة الدافعة: حكاما عادلين وملوكا طاهرين طهرَ الملائكة.. وأثمرت في غصن القوة الجاذبة: كُرَماء وأسخياء ذوي مروءة وشهامة في حُسن سيرةٍ وجمالِ صورة ذات عفة وبراءة.. حتى أظهرت تلك الشجرة المباركة، أن الإنسان هو حقا أكرم ثمرة لشجرة الكون.

وهكذا فمنشأ هذه الشجرة المباركة، ومنشأ تلك الشجرة الخبيثة، هما جهتا «أنا» ووجهاه، أي إن «أنا» الذي أصبح بذرةً أصلية لتلكما الشجرتين، صار وجهاه منشأ كلٍ منهما.

وسنبين ذلك بالآتي: إنّ النبوةَ تمضي آخذة وجها لـ«أنا». والفلسفة تُقبل آخذةً الوجه


Yükleniyor...