الحواسِ المعروفة الظاهرة والباطنة في الأحياء، دوافعُ فطرية أخرى غير معروفة كأحاسيسَ سائقةٍ ومشوّقةٍ تُعطي للنحل فرصةَ التصرف وإمكانية الاختصاص والأنس والتبادل مع أكثر أنواع الموجودات في الدنيا.

ولئن كانت الحياةُ تُظهر تأثيرَها هكذا في كائن حيّ صغير، فلابد أنها كلّما عَلَتْ وارتقتْ إلى مرتبة عليا وهي المرتبة الإنسانية، فإن تأثيرها يتسعُ ويكبرُ ويتنوّر، بحيث يجول هذا الإنسانُ بعقله وشعوره -الذي هو ضياء الحياة- في العوالم العلوية والروحية والمادية كما يجول في غرف داره. وهذا يعني أنه مثلما يسافر ذلك الكائنُ الحيّ ذو الشعور إلى تلك العوالم معنويا، فإن تلك العوالم تأتي وتكون ضيوفا على مرآة روحه بارتسامها وتمثّلها فيها.

والحياة بحدّ ذاتها أسطعُ برهانٍ لوحدانية الله سبحانه وتعالى، وأوسعُ مجال لنعمته العظيمة، وألطفُ تجلٍّ من تجليات رحمته، وأدقُّ نقش من نقوش صنعته الخفية النـزيهة.

نعم، إنها خفية ودقيقة؛ لأن تنبّه «العقدة الحياتية» أي تفتحَها ونموَّها في البذرة -التي هي أولى مراتب الحياة في النبات الذي يمثل أدنى أنواع الحياة- بقي مستورا عن أنظار علم البشر منذ زمن آدم عليه السلام، رغمَ شدة ظهورِه وكثرته والإلفة به. ولم تنكشف حقيقتُه الصائبة لعقل البشر لحدّ الآن بجلاء.

والحياة نزيهـة نقية بحيث إن وجهَيها -الـمُلك والملكوت- صافيان وشفافان؛ إذ إن يدَ القدرة تباشر أعمالَها فيها دون وضعٍ لستار الأسباب، في حين أنها جعلت الأسبابَ الظاهرية حجابا لتصرّفها في سائر الأمور الأخرى. كي تكون منشأً للأمور الخسيسة وللكيفيات غير النـزيهة التي تنافي عزةَ القدرة في ظاهر الأمر.

والخلاصة: يصح القول: إن لم تكن هناك حياة فالوجودُ ليس بوجود، ولا يختلف عن العدم، فالحياةُ ضياءُ الروح والشعورُ نور الحياة.

ولما كانت الحياةُ والشعور لهما هذه الأهمية، وما دمنا نشاهد كل هذا النظام المُتقن في هذا العالم، ونرى هذه الدقة والإتقان والإحكام التام والانسجام الكامل في الكون، وما دامت كرتُنا الأرضية -وهي كذرة بالنسبة إلى الكون- تزخرُ بما لا يُعدّ ولا يحصى من ذوي الأرواح وذوي المشاعر والإدراك، فلابد أن يُحكم بحَدسٍ صادق ويُقرَّر بيقين قاطع أنّ جوانب هذه


Yükleniyor...