الشر أيضا؛ لذا فالحياة التي هي أسطعُ نور للوجود، تتقوى بتقلّبها ضمن أحوال مختلفة، وتتصفّى بدخولها أوضاعا متباينة، وتثمر ثمراتٍ مطلوبة باتخاذها كيفيات متعددة، وتبين نقوشَ أسماءِ واهبِ الحياة بيانا لطيفا وجميلا بتحولها في أطوار متنوعة.

وبناءً على هذه الحقيقة تُعرض حالات على الأحياء في صور الآلام والمصائب والمشقات والبليات، فتتجدد بتلك الحالات أنوارُ الوجود في حياتهم وتتباعد عنها ظلماتُ العدم، وإذا بحياتهم تتطهر وتتصفى، ذلك لأن التوقفَ والسكون والسكوت والعطالة والدعة والرتابة، كل منها عدم في الكيفيات والأحوال، حتى إن أعظم لذة من اللذائذ تتناقص بل تزول في الحالات الرتيبة.

حاصل الكلام: لما كانت الحياةُ تبيّن نقوشَ الأسماء الحسنى، فكلُّ ما ينـزل بالحياة إذن جميل وحسن.

فمثلا: إن صانعا ثريا ماهرا يكلّف رجلا فقيرا لقاء أجرةٍ معينة ليقوم له في ظرف ساعة بدور النموذج (موديل)، لأجل إظهار آثار صنعته الجميلة وإبراز مدى ثرواته القيّمة. فيُلبسه ما نسجَه من حُلة قشيبة في غاية الجمال والإبداع، ويُجرى عليه أعمالا ويُظهر أوضاعا وأشكالا شتى لإظهار خوارق صنائعه وبدائع مهاراته، فيقصّ ويبدّل ويطوّل ويقصّر، وهكذا..

تُرى أيحقّ لذلك الفقير الأجير أن يقول لذلك الصانع الماهر: «إنك تتعبني وترهقني بطلبك منّي الانحناء مرة والاعتدال أخرى.. وإنك تشوّه بقصّك وتقصيرك هذا القميص الذي يجمّلني ويزينني؟» تُرى أيقدر أن يقول له: «لقد ظلمتَ وما أنصفتَ؟!».

وكذلك الأمر في الصانع الجليل الفاطر الجميل -ولله المثل الأعلى- إذ يبدّل قميص الوجود الذي ألبسه ذوي الحياة، ويقلّبه في حالات كثيرة، ذلك القميصُ المرصع باللطائف والحواس كالعين والأذن والعقل والقلب وأمثالها، يبدّله ويقلّبه إظهارا لنقوش أسمائه الحسنى.

ففي الأوضاع التي تتّسم بالآلام والمصائب أنوارُ جمالٍ لطيف تشفّ عن أشعة رحمةٍ ضمن لمعات الحكمة الإلهية، إظهارا لأحكام بعض الأسماء الحسنى.


Yükleniyor...