فالمسؤوليةُ تقع عليك، فمثلا -ولا مشاحة في الأمثال-: إذا أخذتَ طفلا عاجزا ضعيفا على عاتقك وخيّرتَه قائلا: إلى أين تريد الذهاب فسآخذك إليه، وطلب الطفلُ الصعودَ على جبلٍ عالٍ، وأنت أخذتَه إلى هناك، ولكن الطفل تمرّض أو سقط. فلا شك ستقول له: أنت الذي طلبتَ! وتعاتبُه، وتزيدُه لطمةَ تأديب. وهكذا -ولله المثل الأعلى- فهو سبحانه أحكمُ الحاكمين جعل إرادةَ عبده الذي هو في منتهى الضعف شرطا عاديا لإرادته الكلية.

حاصل الكلام: أيها الإنسان! إنّ لك إرادةً في منتهى الضعف، إلّا أنّ يدَها طويلة في السيئات والتخريبات وقاصرة في الحسنات. هذه الإرادة هي التي تسمى بالجزء الاختياري، فسلِّم لإحدى يدي تلك الإرادة الدعاءَ، كي تمتد وتطال الجنة التي هي ثمرة من ثمار سلسلة الحسنات وتبلغ السعادة الأبدية التي هي زهرة من أزاهيرها.. وسلِّم لليد الأخرى الاستغفارَ كي تقصرَ يدُها عن السيئات، ولا تبلغ ثمرةَ الشجرة الملعونة زقوم جهنم. أي إن الدعاء والتوكل يمدّان ميلان الخير بقوة عظيمة، كما أن الاستغفار والتوبة يكسران ميلان الشر ويحدّان من تجاوزه.

المبحث الثالث

إنّ الإيمان بالقدر من أركان الإيمان، أي إنّ كل شيء بتقدير الله، والدلائلُ القاطعة على القدر كثيرة جدا لا تُعد ولا تحصى. ونحن سنبين هنا مدى قوة هذا الركن الإيماني وسعتِه بأسلوبٍ بسيطٍ وظاهرٍ في مقدمة.

المقدمة

إنّ كل شيء قبل كَونه وبعد كونه مكتوب في كتاب، يصرّح بهذا القرآنُ الكريم في كثير من آياته الكريمة أمثال: ﹛﴿ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ اِلَّا ف۪ي كِتَابٍ مُب۪ينٍ ﴾|﹜ (الأنعام:٥٩) وتُصدّق هذا الحكمَ القرآني الكائناتُ قاطبة، التي هي قرآنُ القدرة الإلهية الكبيرُ، بآياتِ النظام والميزان والانتظام والامتياز والتصوير والتزيين وأمثالها من الآيات التكوينية.

نعم، إنّ كتابات كتاب الكائنات المنظومة وموزونات آياتِها تشهد على أنّ كلَّ شيء مكتوب. أما الدليل على أنّ كل شيء مكتوب ومقدّر قبل وجوده وكَونه، فهو جميعُ المبادئ


Yükleniyor...