إنّ خطاب القرآن الكريم قد اكتسب الصفة الكلية والسعة المطلقة والرفعة السامية والإحاطة الشاملة؛ لصدوره مباشرة من المقام الواسع المطلق للربوبية العامة الشاملة للمتكلم الأزلي سبحانه.. ويكتسبها من المقام الواسع العظيم لمن أنـزل عليه هذا الكتاب، ذلكم النبي الكريم ﷺ الممثِّل للنوع البشري والمخاطَب باسم الإنسانية قاطبة، بل باسـم الكائنات جميعا.. ويكتسبها أيضا من توجّه الخطاب إلى المقام الواسع الفسيح لطبقات البشرية كافة وللعصور كافة.. ويكتسبها أيضا من المقام الرفيع المحيط النابع من البيان الشافي لقوانين الله سبحانه المتعلقة بالدنيا والآخرة، بالأرض والسماء، بالأزل والأبد، تلك القوانين التي تخص ربوبيته وتشمل أمور المخلوقات كافة.
فهذا الخطاب الجليل الذي اكتسب من السعة والسمو والإحاطة والشمول ما اكتسب، يبرز إعجازا رائعا وإحاطة شاملة، بحيث: إنّ مراتبه الفطرية والظاهرية التي تلاطف أفهام العوام البسيطة -وهم معظم المخاطبين- تمنح في الوقت نفسه حصةً وافرة لأعلى المستويات الفكرية ولأرقى الطبقات العقلية، فلا يهب لمخاطبيه شيئا من إرشاداته وحدها، ولا يخصّهم بعبرة من حكاية تاريخية فقط، بل يخاطب مع ذلك كل طبقة في كل عصر -لكونها فردا من أفراد دستور كلّي- خطابا نَدِيّا طريا جديدا كأنه الآن ينـزل عليهم.
ولا سيما كثرة تكراره: ﴿ الظَّالِم۪ينَ ﴾ .. ﴿ الظَّالِم۪ينَ ﴾ .. وزجره العنيف لهم وإنذاره الرهيب من نـزول مصائب سماوية وأرضية بذنوبهم ومظالمهم، فيلفت الأنظار -بهذا التكرار- إلى مظالم لا نظير لها في هذا العصر، بعرضه أنواعا من العذاب والمصائب النازلة على قوم عاد وثمود وفرعون. وفي الوقت نفسه يبعث السلوانَ والطمأنينة إلى قلوب المؤمنين المظلومين، بذكره نجاةَ رسل كرام أمثال إبراهيم وموسى عليهما السلام.
Yükleniyor...