فقال له صديقه: «ويحك ماذا تفعل؟ إنك ستنال عقابك، وستلقيني في بلايا ومصائب. فهذه الأموال أموال الدولة، وهؤلاء الأهلون قد أصبحوا -بعوائلهم وأطفالهم- جنود الدولة أو موظفيها، ويُستخدمون في هذه الوظائف ببزّتهم المدنية، ولذلك لم يُبالوا بك كثيرا. اعلم أن النظام هنا صارم، فعيون السلطان ورقباؤه وهواتفه في كل مكان. أسرع يا صاحبي بالاعتذار وبادر إلى التوسل»..
ولكن صاحبَه الأبله عاند قائلا: «دعني يا صاحبي، فهذه الأموال ليست أموال الدولة، بل هي أموال مشاعة، لا مالك لها. يستطيع كل واحد أن يتصرف فيها كما يشاء. فلا أرى ما يمنعني من الاستفادة منها، أو الانتفاع بهذه الأشياء الجميلة المنثورة أمامي. واعلم أنى لا أصدّق بما لا تراه عيناي». وبدأ يتفلسف ويتفوه بما هو من قبيل السفسطة. (1) وهنا بدأت المناقشة الجادّة بينهما. وأخذ الحوار يشتد إذ سأل المغفل: «وما السلطان؟ فأنا لا أعرفه.» فردّ عليه صاحبه: «إنك بلا شك تعلم أنه لا قرية بلا مختار، ولا إبرة بلا صانع وبلا مالك، ولا حرف بلا كاتب. فكيف يسوغ لك القول: إنه لا حاكم ولا سلطان لهذه المملكة الرائعة المنتظمة المنسقة؟ وكيف تكون هذه الأموال الطائلة والثروات النفيسة الثمينة بلا مالك، حتى كأن قطارا مشحونا بالأرزاق الثمينة يأتي من الغيب كل ساعة ويفرغ هنا ثم يذهب! (2) أوَ لا ترى في أرجاء هذه المملكة إعلانات السلطان وبياناته، وأعلامَه التي ترفرف في كل ركن، وختمه الخاص وسكّته وطرّته على الأموال كلها، فكيف تكون مثل هذه المملكة دون مالك؟.. يبدو أنك تعلمت شيئا من لغة الإفرنج، ولكنك لا تستطيع قراءة هذه الكتابات الإسلامية ولا ترغب أن تسأل من يقرؤها ويفهمها، فتعال إذن لأقرأ لك أهم تلك البلاغات والأوامر الصادرة من السلطان.». فقاطعه ذلك المعاند قائلا: «لنسلّم بوجود السلطان، ولكن.. ماذا يمكن أن تضرَّه وتُنقصَ من خزائنه ما أحوزُه لنفسي منها؟ ثم إني لا أرى هنـا عقابا من سـجن أو ما يشبهه!».
أجابه صاحبه: «يا هذا، إن هذه المملكة التي نراها ما هي إلّا ميدان امتحانٍ واختبار، وساحة تدريب ومناورة، وهي معرض صنائع السلطان البديعة، ومضيف مؤقت جدا.. ألا
ولكن صاحبَه الأبله عاند قائلا: «دعني يا صاحبي، فهذه الأموال ليست أموال الدولة، بل هي أموال مشاعة، لا مالك لها. يستطيع كل واحد أن يتصرف فيها كما يشاء. فلا أرى ما يمنعني من الاستفادة منها، أو الانتفاع بهذه الأشياء الجميلة المنثورة أمامي. واعلم أنى لا أصدّق بما لا تراه عيناي». وبدأ يتفلسف ويتفوه بما هو من قبيل السفسطة. (1) وهنا بدأت المناقشة الجادّة بينهما. وأخذ الحوار يشتد إذ سأل المغفل: «وما السلطان؟ فأنا لا أعرفه.» فردّ عليه صاحبه: «إنك بلا شك تعلم أنه لا قرية بلا مختار، ولا إبرة بلا صانع وبلا مالك، ولا حرف بلا كاتب. فكيف يسوغ لك القول: إنه لا حاكم ولا سلطان لهذه المملكة الرائعة المنتظمة المنسقة؟ وكيف تكون هذه الأموال الطائلة والثروات النفيسة الثمينة بلا مالك، حتى كأن قطارا مشحونا بالأرزاق الثمينة يأتي من الغيب كل ساعة ويفرغ هنا ثم يذهب! (2) أوَ لا ترى في أرجاء هذه المملكة إعلانات السلطان وبياناته، وأعلامَه التي ترفرف في كل ركن، وختمه الخاص وسكّته وطرّته على الأموال كلها، فكيف تكون مثل هذه المملكة دون مالك؟.. يبدو أنك تعلمت شيئا من لغة الإفرنج، ولكنك لا تستطيع قراءة هذه الكتابات الإسلامية ولا ترغب أن تسأل من يقرؤها ويفهمها، فتعال إذن لأقرأ لك أهم تلك البلاغات والأوامر الصادرة من السلطان.». فقاطعه ذلك المعاند قائلا: «لنسلّم بوجود السلطان، ولكن.. ماذا يمكن أن تضرَّه وتُنقصَ من خزائنه ما أحوزُه لنفسي منها؟ ثم إني لا أرى هنـا عقابا من سـجن أو ما يشبهه!».
أجابه صاحبه: «يا هذا، إن هذه المملكة التي نراها ما هي إلّا ميدان امتحانٍ واختبار، وساحة تدريب ومناورة، وهي معرض صنائع السلطان البديعة، ومضيف مؤقت جدا.. ألا
Yükleniyor...