جنود مطيعون مهيبون يستطيعون أن يرجموا بقذائف كالجبال، حتى شياطينَكم لو تحملَت.. وأنتم بكفرانكم هذا إنما تتمردون في مملكة مالكٍ عظيم جليل، له جنود عظام يستطيعون أن يقصفوا أعداءً كفرة -ولو كانوا في ضخامة الأرض والجبال- بقذائف ملتهبة وشظايا من لهيب كأمثال الأرض والجبال، فيمزقونكم ويشتتونكم!. فكيف بمخلوقات ضعيفة أمثالِكُم؟.. وأنتم تخالفون قانونا صارما يرتبط به مَن له القدرة -بإذن الله- أن يُمطر عليكم قذائف وراجمات أمثال النجوم».

قس في ضوء هذا المثال قوة معاني سائر الآيات ورصانة بلاغتها وسمو إفاداتها.

النقطة الثالثة

البداعة الخارقة في أسلوبه: نعم، إن أساليب القرآن الكريم غريبة وبديعة كما أنها عجيبة ومقنعة، لم يقلّد أحدا قط ولا يستطيع أحد أن يقلده. فلقد حافظ وما يزال يحافظ على طراوة أسـاليبه وشبابيته وغرابته مثلما نـزل أول مرة.

فمثلا: إنّ الحروف المقطّعة المذكورة في بدايات عدةٍ من السوَر تشبه الشفرات؛ أمثال: ﹛﴿ الٓمٓۚ  ﴾ ﴿ الٓرٰ ﴾ ﴿ طٰهٰ ﴾ ﴿ يٰسٓ ﴾ ﴿ حٰمٓ ﴾ ﴿ عٓسٓقٓ ﴾|﹜. وقد كتبنا نحو ستٍ من لمعات إعجازها في «إشارات الإعجاز» نذكر منها:

إنّ الحروف المذكورة في بدايات السور تُنصِّف كلَّ أزواج طبائع الحروف الهجائية من المهموسة والمجهورة والشديدة والرخوة.. (3) وغيرها من أقسامها الكثيرة. أما الأوتار -التي لا تقبل التنصيف- فمن الثقيل النصف القليل كالقلقلة، ومن الخفيف النصف الكثير كالذلاقة.

فسلوكُه في التنصيف والأخذُ بهذا الطريق الخفي الذي لا يدركه العقلُ من بين هذه الطرق المتداخلة المترددة بين مائتي احتمال، ثم سَوق الكلام في ذلك السياق وفي ذلك الميدان الواسعِ المشتبهةِ الأعلام ليس بالأمر الذي يأتي مصادفةً قط، ولا هو من شأن البشر.


Yükleniyor...