وكلُّ طائفة من طوائف النباتات في مزرعة الأرض تسأل فاطرها الحكيم وتدعوه بلسان الحال والاستعداد، قائلة: يا ربّنا آتنا من لدنك قوة، كي ننصب رايةَ طائفتنا في أرجاء الأرض كافة، لنعلن بلساننا عظمةَ ربوبيتك.. ووفّقنا يا ربنا لعبادتك في كلّ ركن من أركان مسجد الأرض هذا.. وهَب لنا قدرةً لنسيحَ في كل ناحية من نواحي معرض الأرض لنُشهر فيها نقوشَ أسمائك الحسنى وبدائعَ صنعك وعجائبها.

والفاطر الحكيم يستجيب لدعاء النباتات المعنوي هذا.. فيهَب لبذور طائفة منها جُنيحاتٍ من شعيرات دقيقة لتتمكن بها من الطيران إلى كل مكان. فتجعل الناظرَ إليها يقرأ أسماءَ الله الحسنى كما في أغلب النباتات الشوكية وقسم من بذور الأزهار الصفراء.. ويهَب سبحانه لآخرَ نسيجا طريا طيبا يحتاجه الإنسانُ ويرتاح إليه، حتى يجعل الإنسانَ خادما له، فيزرعه في كل ناحية.. ويهَب لطائفة أخرى ما لا يُهضَم من شبيه العظام مكسوا بما يشبه اللحم تستسيغه الحيوانات، فتنشرها في أقطار الأرض.. ويهَب لبعضٍ شُويكاتٍ دقيقة تتعلق بالأشياء بأدنى تماس، وبهذا ينتقل من مكان إلى آخر فينشر راية طائفته هناك. وهكذا تنشر النباتاتُ بدائعَ صنع الله سبحانه وتعالى، فيهَب لقسم آخر عُلَبا مملوءة بالبذور تقذف بها إلى مسافة أمتار حين نضوجها..

وقس على هذا المنوال كيف تستنطق النباتاتُ ألسنةً كثيرة في ذكر الفاطر الجليل وفي تقديسه. فلقد خلق الفاطر الحكيم والقدير العليم، كل شيء، في أحسن صورة، وفي أكمل انتظام، وجَهّزه بأفضل جهاز، ووَجّهه إلى أحسن وجهة، ووظَّفه بأحسن وظيفة، فيقوم الشيءُ بأفضل التسبيحات وأجملِها، ويؤدي العبادات على أفضل الوجوه.

فإن كنت أيها الإنسان إنسانا حقا، فلا تُقحِم الطبيعةَ والمصادفةَ والعبثيةَ والضلالةَ في هذه الأمور الجميلة، ولا تشوّه جمالَها بعملك القبيح، فتكون قبيحا.

القسم الرابع: هو الإنسان، فالإنسان الذي هو نوع من أنواع الخدم العاملين في هذا القصر، قصر الكون، هذا الإنسان شبيه بالملائكة من جهة، وشبيه بالحيوان من جهة أخرى؛ إذ يشبه الملائكة في العبادة الكلية وشمولِ الإشراف وإحاطةِ المعرفة، وكونه داعيا إلى الربوبية الجليلة، بل الإنسان أكثر جامعية من الملائكة، لأنه يحمل نفسا شريرة شهوية، بخلاف الملائكة.

Yükleniyor...