فيا أيها الإنسانُ البعيدُ عن التوكل! ارجعْ إلى صوابك وعُد إلى رُشدك كهذا الرجل وتوكّل على الله لتتخلص من الحاجة والتسـوّل من الكائنات، ولتنجوَ من الارتعاد والهلع أمام الحادثات، ولتنقذَ نفسَك من الرياء والاستهزاء ومن الشقاء الأبدي ومن أغلال مضايقات الدنيا.

النقطة الرابعة

إنّ الإيمان يجعل الإنسان إنسانا حقا، بل يجعله سلطانا؛ لذا كانت وظيفتُه الأساس الإيمان بالله تعالى والدعاء إليه. بينما الكفرُ يجعل الإنسانَ حيوانا مفترسا في غاية العجز.

وسنورد هنا دليلا واضحا وبرهانا قاطعا من بين آلاف الدلائل على هذه المسألة، وهو: التفاوتُ والفروقُ بين مجيء الحيوان والإنسان إلى دار الدنيا.

نعم، إن التفاوتَ بين مجيء الحيوان والإنسان إلى هذه الدنيا يدل على أن اكتمالَ الإنسانيةِ وارتقاءها إلى الإنسانية الحقة إنما هو بالإيمان وحدَه؛ وذلك لأن الحيوانَ حينما يأتي إلى الدنيا يأتي إليها كأنه قد أكتملَ في عالمٍ آخرٍ، فيُرسَلُ إليها متكاملا حسب استعداده. فيتعلم في ظرف ساعتين أو يومين أو شهرين جميعَ شرائط حياته وعلاقاته بالكائنات الأخرى وقوانين حياته، فتحصلُ لديه مَلَكة؛ فيتعلّم العصفورُ أو النحلةُ -مثلا- القدرةَ الحياتية والسلوكَ العملي عن طريق الإلهامِ الرباني وهدايتِه سبحانه. ويحصلُ في عشرين يوما على ما لا يتعلّمه الإنسان إلّا في عشرين سنة. إذن الوظيفةُ الأساس للحيوان ليست التكمّل والاكتمال بالتعلّم، ولا الترقي بكسب العلم والمعرفة، ولا الاستعانة والدعاء بإظهار العجز. وإنما وظيفتُه الأصلية: العملُ حسب استعداده، أي العبودية الفعلية.

أما الإنسان فعلى العكس من ذلك تماما، فهو عندما يَقْدَم إلى الدنيا يقدَمُها وهو محتاج إلى تعلّم كل شيء وإدراكه؛ إذ هو جاهل بقوانين الحياة كافةً جهلا مطبقا، حتى إنه قد لا يستوعب شرائطَ حياته خلال عشرين سنة. بل قد يبقى محتاجا إلى التعلم والتفهّم مدى عمره. فضلا عن أنه يُبعَث إلى الحياة وهو في غاية الضَّعف والعَجز حتى إنه لا يتمكن من القيام منتصبا إلّا بعد سنتين من عمره، ولا يكاد يميّز النفعَ من الضرّ إلّا بعد خمس عشرة سنة، ولا


Yükleniyor...