واعلم أن مأموري السلطان الأزلي وموظفيه ليسوا هم المنفّذين الحقيقيين لأمور سلطنة الربوبية، بل هم دالّون على تلك العظمة والسلطان، والداعون إليها، ومشاهدوها المعجَبون، فما وُجدوا إلّا لإظهار عزّة القدرة الربانية وهيبتِها وعظمتها، وذلك لئلا تظهر مباشرةُ يدِ القدرة في أمور جزئية خسيسة لا يُدرِك نظرُ أكثر الغافلين حُسنَها ولا يَعرف حكمتها، فيشتكي بغير حق ويعترض بغير علم. وهم ليسوا كموظفي السلطان البشري الذي لم يعيّنهم ولم يُشركهم في سلطنته إلّا نتيجة عَجزه وحاجته.

فالأسباب إذن إنما وُضعَت لتبقى عزةُ القدرة مصونةً من جهة نظر العقل الظاهري؛ إذ إنّ لكل شيء جهتين -كوجهي المرآة- إحداهما جهةُ «المُلك» الشبيهة بالوجه المطلي الملوّن للمرآة الذي يكون موضعَ الألوان والحالات المختلفة، والأخرى جهةُ «الملكوت» الشبيهة بالوجه الصقيل للمرآة. ففي الوجه الظاهر -أي جهة المُلك- هناك حالات منافية ظاهرا لعزة القدرة الصمدانية وكمالِها، فوُضعَت الأسبابُ كي تكون مرجِعا لتلك الحالات ووسائلَ لها. أما جهةُ الملكوت والحقيقةِ فكلُّ شيء فيها شفاف وجميل وملائم لمباشرةِ يدِ القدرة لها بذاتها، وليس منافيا لعزّتها، لذا فالأسبابُ ظاهرية بحتة، وليس لها التأثير الحقيقي في الملكوتية أو في حقيقة الأمر.

وهناك حكمة أخرى للأسباب الظاهرية وهي: عدم توجيه الشكاوى الجائرة والاعتراضات الباطلة إلى العادل المطلق جلّ وعلا. أي وُضعت الأسباب لتكونَ هدفا لتلك الاعتراضات وتلك الشكاوي، لأن التقصيرَ صادر منها ناشئ من افتقار قابليتها.

ولقد روي لبيان هذا السر مثال لطيف ومحاورة معنوية هي: أن عزرائيل عليه السلام قال لرب العزة: «إن عبادك سوف يشتكون مني ويسخطون عليّ عند أدائي لوظيفة قبض الأرواح». فقال الله سبحانه وتعالى له بلسان الحكمة: «سأضع بينَك وبين عبادي ستائرَ المصائب والأمراض لتتوجه شكاواهم إلى تلك الأسباب».

وهكذا، تأمل! كما أن الأمراضَ ستائرُ يَرجع إليها ما يُتوهّم من مساوئ في الأجَل، وكما أن الجمال الموجود في قبض الأرواح -وهو الحقيقة- يعود إلى وظيفة عزرائيل عليه السلام،

Yükleniyor...