الهدايا البديعة؟ قدّر مدى تعاسة مَن لا يؤدي شكرَه عليها! إذ إن جهلَه به يُرغمه على التفوّه بما هو من قبيل الهذيان، فيقول -مثلا-: إن تلك اللآلئ المرصعات تَصنعُ نفسها بنفسها!. أي يُلزمه جهلُه أن يمنح معنى السلطان لكل حبلٍ من تلك الحبال! والحال أننا نرى أن يدا غيبية هي التي تمتد إلى تلك الحبال فتصنعها وتقلدها الهدايا. أي إن كل ما في هذا القصر يدل على صانعه المبدع دلالة أوضح من دلالته على نفسه. فإن لم تعرفه يا صاحبي حق المعرفة فستهوي إذن في درك أحط من الحيوانات، لأنك تضطر إلى إنكار جميع هذه الأشياء.

البرهان التاسع

أيها الصديق الذي يُطلق أحكامه جزافا، إنك لا تعرف مالكَ هذا القصر ولا تَرغب في معرفته، فتستبعد أن يكون له مالك، وتنساق إلى إنكار أحواله لعَجز عقلك عن أن يستوعب هذه المعجزات الباهرة والروائع البديعة، مع أن الاستبعاد الحقيقي، والمشكلات العويصة والصعوبات الجمّة في منطق العقل إنما هو في عدم معرفة المالك والذي يُفضي بك إلى إنكار وجود هذه المواد المبذولة لك، بأثمانها الزهيدة ووفرتها العظيمة. بينما إذا عرفناه يكون قبول ما في هذا القصر، وما في هذا العالم سهلا ومستساغا ومعقولا جدا، كأنه شيء واحد، إذ لو لم نعرفه ولولاه، لكان كل شيء عندئذٍ صعبا وعسيرا بل لا ترى شيئا مما هو متوفر ومبذول أمامك. فإن شئت فانظر فحسب إلى عُلَب المُربيات (16) المتدلية من هذه الخيوط. فلو لم تكن من إنتاج مطبخ تلك القدرة المعجزة، لما كان باستطاعتك الحصول عليها ولو بأثمان باهظة.

نعم، إن الاستبعاد والمشكلات والصعوبة والهلاك والمحال إنما هو في عدم معرفته، لأن إيجاد ثمرة -مثلا- يكون صعبا ومشكلا كالشجرة نفسها فيما إذا رُبط كلُّ ثمرة بمراكز متعددة وقوانين مختلفة، بينما يكون الأمر سهلا مستساغا إذا ما كان إيجاد الثمرة بقانون واحد ومن مركز واحد فيكون إيجاد آلاف الأثمار كإيجاد ثمرة واحدة. مَثلُه في هذا كمثل تجهيز الجيش بالعتاد، فإن كان من مصدرٍ واحد وبقانون واحد ومن معمل واحد، فالأمر سهل ومستساغ عقلا. بينما إذا جُهّز كلُّ جندي بقانون خاص ومن مصدر خاص ومن معمل يخصه، فالأمر


Yükleniyor...