أمَّا ضِماد هذا الجرحِ فهو:

أيها المبتلى المسكين! لا تخف ولا تضطرب، لأنّ ما مرّ أمام مرآة ذهنك ليس شتما ولا سبّا، وإنّما هو مجردُ صوَرٍ وخيالات تمر مرورا أمام مرآة ذهنك، وحيث إنّ تخيُّلَ الكفر ليس كفرا، فإنّ تخيُّل الشتم أيضا ليس شتما، إذ من المعلوم في البديهية المنطقية: أنّ التخيُّل ليس بحُكم، بينما الشتم حُكم. فضلا عن هذا، فإنّ تلك الكلمات غير اللائقة لم تكن قد صدرت من ذات قلبك، حيث إنّ قلبك يتحسّر منها ويتألم. ولعلها آتية من لمّة شيطانية قريبة من القلب. لذا فإن ضرر الوسوسة إنما هو في توهم الضرر، أي إنّ ضرره على القلب هو ما نتوهمُه نحن من أضرارها. لأنّ المرء يتوهم تخيلا لا أساس له كأنّه حقيقة، ثم ينسب إليه من أعمال الشيطان ما هو بريء منه، فيظن أنّ همزات الشيطان هي من خواطر قلبه هو، ويتصور أضرارَها فيقع فيها. وهذا هو ما يريده الشيطان منه بالذات.

الوجه الثاني

عندما تنطلق المعاني من القلب تنفذ في الخيال مجردةً من الصور، وتكتسي الأشكالَ والصور هناك. والخيالُ هو الذي ينسج دائما ولأسباب معينة، نوعا من الصور، ويعرض ما يهتم به من الصور على الطريق، فأيّما معنىً يرد، فالخيال إمّا يُلبسه ذلك النسيج أو يعلّقه عليه أو يلطخه به، أو يستره به؛ فإن كانت المعاني منـزهةً ونقيةً، والصور والأنسجة ملوثةً دنيئةً فلا إلباسَ ولا إكساء، وإنما مجرد مسٍّ فقط. فمن هنا يلتبس على الموسوس أمرَ التّماس فيظنه تلبسا وتلبيسا، فيقول في نفسه: يا ويلتاه! لقد تردى قلبي في المهاوي، وستجعلني هذه الدناءة والخساسة النفسية من المطرودين من رحمة الله. فيستغل الشيطان هذا الوتر الحساس منه استغلالا فظيعا.

ومرهم هذا الجرح العميق هو: كما لا يؤثر في صلاتك ولا يُفسدها ما في جوفك من نجاسة، بل يكفي لها طهارة حسية وبدنية، كذلك لا تضر مجاورةُ الصور الملوثة بالمعاني المنـزّهة والمقدسة.

مثال ذلك: قد تكون متدبرا في آية من آيات الله، وإذا بأمرٍ مُهيِّجٍ من مرضٍ يفاجئك، أو من تدافع الأخبثين، يلحّ على خيالك بشدة، فلاشك أنّ خيالك سينساق إلى حيث الدواء، أو

Yükleniyor...