فالجبال الشاهقة التي هي صخور صلدة تتصدع من خشيته وتتبعثر، وفي الوقت الذي ترون أنّه قد أخذ الميثاقَ منكم برفع جبل الطور فوقكم، مع مشاهدتكم وعلمِكم تشققَ الجبل في حادثة الرؤية الجليلة، فكيف تجرأون ولا ترتعد فرائصُكم من خشيته سبحانه، بل تغلظ قلوبُكم؟.

ويذكّر في الفقرة الأولى: ﹛﴿ وَاِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْاَنْهَارُ ﴾|﹜ مشيرا إلى أنهار كالنيل ودجلة والفرات النابعة من الجبال ويعلِّم في الوقت نفسه مدى نيل تلك الأحجار للطاعة المعجزة والانقياد الخارق تجاه الأوامر التكوينية ومدى كونِها مسخّرة لها. فيورث بهذا التعليم القلوبَ المتيقظة هذا المعنى:

إنّه لا يمكن قطعا أن تكون هذه الجبال الضخمة منابعَ حقيقية لمثل هذه الأنهار العظيمة لأنّه لو كانت هذه الجبال بحجمها الكامل مملوءةً بالماء، أي لو أصبحت أحواضا مخروطية لتلك الأنهار، فإنّها لا تكفي لصرفيات تلك الأنهار إلَّا لبضعة شهور، وذلك لسيرها السريع وجريانها الدائم. فضلا عن أنّ الأمطار التي لا تنفذ في التراب لأكثر من متر، لا تكون أيضا واردات كافية لتلك الصرفيات الهائلة.

بمعنى أنّ تفجّر هذه الأنهار ليس أمرا اعتياديا طبيعيا، أو من قبيل المصادفة، بل إنّ الفاطر الجليل يُسيّلها من خزينة الغيب وحدَها، ويجريها منها جريانا خارقا. وإشارة إلى هذا أفادت روايةُ الحديث الشريف بهذا المعنى: أنّ كُلا من تلك الأنهار الثلاثة تقطرُ عليها كل وقت قطرات من الجنة، لذا أصبحت مباركة. (2) وفي رواية: إنّ منابع هذه الأنهار الثلاثة من الجنة. (3) وحقيقة هذه الرواية هي:

إنّ الأسباب المادية لا تكفي لتفجّر هذه الأنهار وتدفّقها بهذه الكثرة، فلابد أن تكون منابعُها في عالم غيب، وأنّها ترِد من خزينة رحمة غيبية، وعندها تتوازن الواردات والصرفيات وتدوم. وهكذا يعلّم القرآن الكريم درسا بليغا وينبّه إلى هذا المعنى:

Yükleniyor...