يا بَني إسرائيل ويا بَني آدم! ما هذه القلوب التي تحملونها وأنتم غارقون في فقركم وعجزكم! إنّها تقاوم بغلظة وبقساوة أوامر مولىً جليل عظيم، تنقاد له طبقات الصخور الصَّلدة الهائلة، ولا تعصي له أمرا، بل تؤدِّي كل منها وظيفتها الرفيعة في طاعة كاملة وانقياد تام؛ وهي مغمورة في ظلمات الأرض. بل تقوم تلك الصخور بوظيفة المستودع والمخزن لمتطلبات الحياة للأحياء الذين يدبون على تراب الأرض. حتى إنّها تكون لـينة طرية في يد القدرة الحكيمة الجليلة، طراوة شمع العسل، فتكون وسائل لتقسيمات تتم بعدالة، وتكون وسائط لتوزيعات تنتهي بحكمة، بل تكون رقيقة رقةَ هواء النسيم، نعم، إنّها في سجدة دائمة أمام عظمة قدرته جل جلاله.

فهذه المصنوعات المنتظمة المتقنة الماثلة أمامنا فوق الأرض، وهذه التدابير الإلهية ذات الحكمة والعناية الجارية عليها هي أيضا بعينها تجري تحت الأرض بل تتجلى فيها الحكمة الإلهية والعناية الربانية بأعجبَ منها حكمةً وأغرب منها انتظاما.

تأمّلوا جيدا! إنّ أصلب الصخور وأضخمها وأصمّها تلين ليونةَ الشمع تجاه الأوامر التكوينية، ولا تبدي أية مقاومة أو قساوة تُذكر تجاه تلك الموظفات الإلهية أي المياه الرقيقة والجذور الدقيقة والعروق اللطيفة لطافة الحرير، حتى كأنها عاشق يشق قلبَه بمسٍّ من أنامل تلك اللطيفات والجميلات، فتتحول ترابا في طريقهن..

وكذا قوله تعالى: ﹛﴿ وَاِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّٰهِ ﴾|﹜ ، فإنه يبيّن طرفا من حقيقة عظيمة جدا هي: أنّ الجبال التي على سطح الأرض، والتي تجمّدت بعد أن كانت في حالة مائعة وسائلة. وأصبحت كتلا ضخمة من الصخور الصَّلدة، تتفتت وتتصدع، بتجليات جلالية، تتجلى على صورة زلازل وانقلابات أرضية، مثلما تناثر وأصبح دكا ذلك الجبل الذي تجلّى عليه الرب سبحانه في طلب موسى عليه السلام رؤية الله جلّ جلاله.

فتلك الصخور تهبط من ذُرى تلك الجبال، من خشية ظهور تجليات جلالية ورهبة منها، فتتناثر أجزاؤها. فقسم منها ينقلب ترابا تنشأ فيه النباتات.. وقسم آخر يبقى على هيئَة صخور تتدحرج إلى الوديان وتكتسح السهول فيستخدمها أهل الأرض في كثير من الأمور


Yükleniyor...