طعامه القليل، وتكلّم الضب والذئب والظبي والجمل والحجر... إلى ألفٍ من معجزاته كما بيّنها الرواة والمحدثون المحققون.. وكذا تصدقه الشريعة الجامعة لسعادات الدارين.

واعلمْ أنّه كما تُصدِّقه هذه الدلائل الآفاقية، كذلك هو كالشمس يدل على ذاته بذاته، فتصدقّه الدلائل الأنفسية؛ إذ اجتماع أعالي جميع الأخلاق الحميدة في ذاته بالاتفاق.. وكذا جمعُ شخصيته المعنوية في وظيفته أفاضل جميع السجايا الغالية والخصائل النـزيهة.. وكذا قوة إيمانه بشهادة قوة زهده وقوة تقواه وقوة عبوديته.. وكذا كمال وثوقه بشهادة سيره، وكمال جدّيته وكمال متانته، وكذا قوة أمنيته في حركاته بشهادة قوة اطمئنانه.. تُصدِّقه كالشمس الساطعة في دعوى تمسُّكه بالحق وسلوكه الحقيقة.

الرشحة الثالثة

اعلم أنّ للمحيط الزماني والمكاني تأثيرا عظيما في محاكمات العقول. فإن شئتَ فتعالَ نذهبْ إلى خير القرون وعصر السعادة النبوية لنحظى بزيارته الكريمة ﷺ -ولو بالخيال- وهو على رأس وظيفته يعمل. فافتحْ عينيك وانظر، فإنّ أولَ ما يتظاهر لنا من هذه المملكة: شخص خارق، له حسنُ صورة فائقة، في حُسن سيرة رائقة. فها هو آخذ بيده كتابا معجِزا كريما، وبلسانه خطابا موجزا حكيما، يبلّغ خطبةً أزليةً ويتلوها على جميع بني آدم، بل على جميع الجن والإنس، بل على جميع الموجودات.

فيا للعجب! ما يقول؟.. نعم، إنّه يقول عن أمرٍ جسيم، ويبحث عن نبأٍ عظيم، إذ يشرح ويحل اللغز العجيب في سرِّ خِلْقة العالم، ويفتح ويكشف الطلسم المغلق في سرِّ حكمة الكائنات، ويوضِّح ويبحث عن الأسئلة الثلاثة المعضلة التي شَغلت العقولَ وأوقعتها في الحيرة، إذ هي الأسئلة التي يَسأل عنها كلُّ موجود. وهي: مَن أنتَ؟ ومِن أين؟ وإلى أين؟.

الرشحة الرابعة

انظر إلى هذا الشخص النوراني كيف ينشر من الحقيقة ضياءً نوّارا، ومن الحق نورا مضيئا، حتى صيَّر ليلَ البشر نهارا وشتاءه ربيعا؛ فكأنّ الكائنات تبدَّل شكلُها فصار العالَم ضاحكا مسرورا بعدما كان عبوسا قمطريرا.. فإذا ما نظرتَ إلى الكائنات خارجَ نور إرشاده؛

Yükleniyor...