ثالثتها:

إن المخبر الصادق ﷺ قد صوّر -مثلا- الملائكة الموكَّلين بحمل العرش، وكذا حمَلة الأرض والسماوات، أو ملائكة آخرين، بأنّ لِلمَلَك أربعين ألفَ رأس، في كل رأس أربعون ألفَ لسان، كل لسان يسبّح بأربعين ألف نوع من أنواع التسبيحات. (1) هذه الحقيقة الرفيعة في أمثال هذه الأحاديث الشريفة تعبّر عن انتظام العبادة وكليتها وشمولها لدى الملائكة، فلأجل الصعود إلى هذه الحقيقة السامية نبيّنُ أمام الشهود الآيات الكريمة التالية وندعو إلى التدبّر فيها، وهي:

﹛﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمٰوَاتُ السَّبْعُ وَالْاَرْضُ وَمَنْ ف۪يهِنَّۜ  ﴾|﹜ (الإسراء:٤٤) ﹛﴿ اِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْاِشْرَاقِ ﴾|﹜ (ص:١٨) ﹛﴿ اِنَّا عَرَضْنَا الْاَمَانَةَ عَلَى السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾|﹜ (الأحزاب:٧٢) وأمثالها من الآيات الجليلة التي تصرّح أنّ لأضخم الموجودات وأكثَرها سَعةً وشمولا تسبيحا خاصا منسجما مع عظمته وكليته، والأمر واضح ومشاهد؛ إذ السماواتُ الشاسعة مسبّحة لله، وكلماتُها التسبيحية هي الشموس والأقمار والنجوم، كما أنّ الأرض الطائرة في جوِّ السماء مسبّحة حامدة لله، وألفاظُها التحميدية هي الحيوانات والنباتات والأشجار.

بمعنى أن لكل شجرة ولكل نجم، تسبيحاتُه الجزئية الخاصة به، مثلما أنّ للأرض بِرُمَّتها تسبيحاتُها الخاصة بها. فهي تسبيحات كلية تضم تسبيحات كلِّ جزءٍ وقطعةٍ منها بل كلِّ وادٍ وجبلٍ وكل بحرٍ وبرٍ فيها. فكما أن للأرض تسبيحاتِها بأجزائها وكليتها كذلك للسماواتِ والأبراجِ والأفلاكِ تسبيحاتُها الكلية.

فهذه الأرض التي لها ألوفُ الرؤوس، ومئاتُ الألوف من الألسنة لكلِّ رأس، لاشك أنّ لها مَلَكا مُوكلا بها يناسبها، يترجم أزاهيرَ تسبيحات كل لسان وثمراتِ تحميداته التي تربو على مائة ألفِ نَمَطٍ من أنماط التسبيح والتحميد، يترجمها ويبيّنها في عالم المثال، ويمثلها ويعلن عنها في عالم الأرواح. إذ لو دخلت أشياء متعددة في صورة جماعة أو مجموعة، لتشكلتْ لها شخصية معنوية، وإذا امتزجت تلك المجموعة واتحدت، تكون لها شخصية معنوية تمثلها، ونوع من روحها المعنوية، وَمَلَك مُوكل يؤدي وظيفتها التسبيحية.


Yükleniyor...