فالمفروض أن يختلط النظام ويتبعثر عند خروج كلمات كثيرة في وقت واحد من الفم ودخولها الأذن معا..

ولكني شاهدتُ بعين اليقين، وبدلالة لفظ «هو» هذا الذي أصبح مفتاحا وبمثابة بوصلة، أن نقاطا مختلفة تعد بالألوف وحروفا وكلماتٍ توضع -أو يمكن أن توضع- على كل جزء من أجزاء الهواء الذي أسيح فيه فكرا بل يمكن أن توضع كلها على عاتق ذرة واحدة من دون أن يحدث اختلاط أو تشابك أو ينفسخ النظام، علما أن تلك الذرة تقوم بوظائف أخرى كثيرة جدا في الوقت نفسه، فلا يلتبس عليها شيء، وتحمل أثقالا هائلة جدا من دون أن تبدي ضعفا أو تكاسلا، فلا نراها قاصرةً عن أداء وظائفها المتنوعة واحتفاظها بالنظام؛ إذ ترد إلى تلك الذرات ألوفُ الألوف من الكلمات المختلفة في أنماط مختلفة وأصوات مختلفة، وتخرج منها أيضا في غاية النظام مثلما دخلت، دون اختلاط أو امتزاج ودون أن يفسد إحداها الأخرى. فكأن تلك الذرات تملك آذانا صاغية صغيرة على قدّها، وألسنةً دقيقة تناسبها فتدخل تلك الكلمات تلك الآذان وتخرج من ألسنتها الصغيرة تلك.. فمع كل هذه الأمور العجيبة فإن كل ذرة -وكل جزء من الهواء- تتجول بحرية تامـة ذاكرةً خالقَها بلسان الحال وفي نشوة الجذب والوجد قائلة: ﹛﴿ لَٓا اِلٰهَ اِلَّا هُوَ ﴾|﹜   و   ﹛﴿ قُلْ هُوَ اللّٰهُ اَحَدٌ ﴾|﹜ بلسان الحقيقة المذكورة آنفا وشهادتها.

وحينما تحدث العواصفُ القوية وتدوّي أهازيجُ الرعد، ويتلمع الفضاءُ بسنا البرق، يتحول الهواء إلى أمواج ضخمة متلاطمة، بيد أن الذرات لا تفقد نظامها ولا تتعثر في أداء وظائفها فلا يمنعها شغل عن شغل... هكذا شاهدت هذه الحقيقة بعين اليقين. إذن، فإما أن تكون كلُّ ذرة -وكل جزء من الهواء- صاحبةَ علم مطلق وحكمة مطلقة وإرادة مطلقة وقوة مطلقة وقدرة مطلقة وهيمنة كاملة على جميع الذرات.. كي تتمكن من القيام بأداء هذه الوظائف المتنوعة على وجهها.. وما هذا إلّا محالات ومحالات بعدد الذرات وباطل بطلانا مطلقا. بل حتى لا يذكره أي شيطان كان..

لذا فإن البداهة تقتضي -بل هو بحق اليقين وعين اليقين وعلم اليقين- أن صحيفة الهواء هذه إنما هي صحيفة متبدلة يكتب الخالقُ فيها بعلمه المطلق ما يشاء بقلم قُدرته وقَدَره


Yükleniyor...