هل يمكن أن تزيل سلطنةُ الدنيا كلها مع ما فيها من متع ولذائذ، ما يعانيه الإنسان من اضطراب وقلق في انتظار دوره في كل لحظة للدخول إلى القبر، إن كان فاقدا للإيمان والعبادة؟.

ثم إنّ الشيخوخة والمرض والبلاء، وما يحدث من وفيات هنا وهناك، تقطّر ذلك الألم المرير إلى نفس كل إنسان، وتُنذره دوما بمصيره المحتوم. فلا جَرَمَ أنّ أولئك الضالين وأرباب السفاهة والمجون سيتأجج في قلوبهم جحيم معنوي، يعذبهم بلظاه حتى لو تمتعوا بمباهج الدنيا ولذائذها، بَيْدَ أنّ الغفلة وحدَها هي التي تحول دون استشعارهم ذلك العذاب الأليم.

فما دام أهل الإيمان والطاعة يرون القبر الماثل أمامَهم بابا إلى رياض سعادة دائمة ونعيم مقيم، بما مُنحوا من القدر الإلهي من وثيقة تُكسبهم كنوزا لا تَفْنى بشهادة الإيمان، فإنّ كُلا منهم سيشعر لذة عميقة حقيقية راسخة، ونشوة روحية لدى انتظاره كلَّ لحظة مَن يناديه قائلا:

تعالَ خُذْ بطاقتك! بحيث إنّ تلك النشوة الروحية لو تجسمت لأصبحت بمثابة جنة معنوية خاصة بذلك المؤمن، بمثل ما تتحول البذرة وتتجسم شجرةً وارفة.

ولما كان الأمر هكذا، فالذي يدَعُ تلك المتعة الروحية الخالصة لأجْلِ لذةٍ مؤقتة غيرِ مشروعة منغصةٍ بالآلام -كالعسل المسموم- بدافع من طيش الشباب وسفاهته؛ سينحطُّ إلى مستوى أدنى بكثير من مستوى الحيوان.. بل لا يبلغ أن يكون حتى بمثل الملاحدة الأجانب أيضا؛ لأن مَن يُنكر منهم رسولَنا الكريم ﷺ فقد يؤمن برسل آخرين، وإن لم يؤمن بالرسل كلِّهم، فقد يؤمن بوجوده تعالى. وإن لم يؤمن بالله، فقد تكون له من الخصال الحميدة ما يريه الكمالات. بينما المسلم لم يعرف الرسل الكرام ولا آمن بربه ولا عرف الكمالات الإنسانية إلّا بوساطة هذا النبي الكريم ﷺ لذا مَن يتركْ منهم التأدّبَ بتربيته المباركة ويُحِلُّ رِبقتَه عن أوامره فلا يعترفُ بنبيٍ آخر، بل يجحد حتى بالله سبحانه وتعالى. ولا يستطيع أن يحافظ على أسس الكمالات الإنسانية في روحه؛ ذلك لأنّ أصولَ الدين وأسسَ التربية التي جاء بها الرسول الكريم ﷺ هي من الرسوخ والكمال ما لا يمكن أن يَحْرِزَ نورا ولا كمالا قط مَن يَدَعُها ويتركها، بل يَحكُم عليه بالتردِّي والسقوط المطلق، إذ هو ﷺ خاتمُ النبيين وسيدُ الأنبياء والمرسلين، وإمامُ البشرية بأكملها، في الحقائق كلِّها، بل هو مدارُ فخرِها واعتزازِها، كما أثبَتَ ذلك إثباتا رائعا على مدى أربعةَ عشرَ قرنا.


Yükleniyor...