تصوّروا ناراً منيرة تتراءى في هذه الصحراء، فأنا أبشركم بأنها نورٌ وليست ناراً، وحتى إن كانت فيها نار فليس إلّا طبقة عليا منها ضعيفة موروثة... فتعالوا إذن لنحط بها ونتحلق حولها ونتفرج عليها ونستضئ بها ونقتبس منها حتى تتلاشى طبقة النار ولنستفد منها. فإن كانت نوراً -كما قلت- فبه، فقد استفدنا، وإن كانت ناراً -كما قالوا- ما ضرّتنا، إذ لم نقتحمها. أما هم فيقولون: «أن النار محرقة» فإن كان نوراً أعمى قلوبَهم وأبصارهم، لأن النور -الذي يظنونه ناراً- هو نور السعادة، (10) فأينما أشرق لم يُطفأ ولو بصبّ أُلوف القِرَب من دماء ملايين الناس، بل حاول بعض من فينا إطفاءه بضع مرات منذ سنتين إلّا أنهم خابوا.

س: أنت قلت: إنه ليس بنار، ولكن كلامك يشير إلى ناريته..؟!

ج: نعم، النور نار للأشرار.

س: ما تقول لأهل الفضيلة من تلك الزمرة وهم أخيار...؟

ج: هناك كثير من الأخيار يسيئون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

س: كيف يَرِد الشرُ من الخير؟.

ج: طلب المحال حماقة ووبال على صاحبه، لأن من كانت بغيته حكومة بريئة معصومة فطلبه محال اعتيادي، إذ لماّ لم يكن الشخص الواحد الآن معصوماً فكيف بالشخص المعنوي (الحكومة) الذي كلُّ ذرة من ذراته مذنبة؟ فمدار النظر إذن هو في ترجُّح حسنات الحكومة على سيئاتها كمّاً أو نوعاً. وأنا أنظر إلى هؤلاء وأعدّهم فوضويين، لأنه لو عاش أحدهم -لا سامح الله- ألف سنة، ورأى الصور الممكنة للحكومات، لما ارتضى كذلك بإحداها، لما في خياله وحلمه من تصّور للحكومة المعصومة، فيولد فيه هذا الحلمُ ميلَ التخريب فيمزق تلك الصور الممكنة.

لذا حتى الفاسدون -في نظرهم- من أعضاء «جون تورك» يعدّونهم زمرة ملعونة فوضوية مشاغبة، فمسلكهم ليس إلّا الإخلالَ بالأمن والإفسادَ.

س: فلمَ لا يجوز أن تكون ضالّتهم العهدَ السابق؟.

Yükleniyor...