النقطة الرابعة:

هي إفراغ الكلام إفراغاً تاماً، ومنحه استعداداً كاملاً، بحيث يتضمن بذورَ كثير من الفروع، ويكون مصدر كثير من الأحكام، ويصبح دليلاً على وجوه عديدة ومعاني مختلفة. وكأن الكلام بتضمنه هذا الاستعداد يلوّح إلى ما فيه من قوة للنمو، ويبين كثرة غلته ومحصوله. إذ يجمع في المسألة تلك الفروع والوجوه ليوازن بين مزاياه ومحاسنها، ويسوق كل فرع إلى غرض، ويعيّن كل وجه في وظيفة: [فانظر إلى قصة موسى فإنها أجدى من تفاريق العصا، (65) أخذها القرآن بيده البيضاء، فخرّت سَحَرةُ البيان ساجدين لبلاغته].

أيها الأخ!

إن الخيال البلاغي الموجود في هذه المسالة يرسم لك -بمثل هذه الأساليب- شجرةَ حقيقةٍ عظيمة، عروقُها الجسيمة متشابكة، وعُقَدها الطويلة متناسقة، وأغصانها المتشعبة متعانقة، وثمراتها وفواكهها متنوعة. فتأمل في المسألة السادسة فهي مثال لهذه المسألة وإن كانت مشوشة.

تنبيه واعتذار: أيها الأخ!

اعلم يقيناً أن هذه المقالة تبدو لك غامضةً مغلقةً، ولكن ما الحيلة فإن شأن المقدمة الإجمال والإيجاز. وسيتجلى لك الأمر في الكتب الثلاثة.

المسألة العاشرة

إن سلاسة الكلام، بعدم التشابك، وعدم الطفر من حسّ إلى آخر، مع تقليد الطبيعة وتمثل الخارجيات، والسداد إلى مسيل الغرض، وتميّز المقصد والمستقر، كالآتي:

إن الوثوب من حسّ إلى آخر قبل أن يتم الأول، ومن بعد ذلك مزجه مع الآخر يخل بالسلاسة ويغيرها، فيلزم التدرج في المعاني المتسلسلة والحذر من الاشتباك العشوائي بدون نظام.


Yükleniyor...