والآن، بناءً على هذه النقاط، أقول:
إن إسناد قسم من الأحاديث الموضوعة إلى «ابن عباس» رضي الله عنه وأمثالِه من الصحابة الكرام، لأجل الترغيب أو الترهيب، إثارةً للعوام وحضاً لهم، إنما هو جهل عظيم.
نعم، إن الحق مستغنٍ عن هذا، والحقيقة غنية عنه؛ فنورُهما كافيان لإنارة القلوب. تسعنا الأحاديث الصحيحة المفسِّرة الحقيقية للقرآن الكريم، ونثق بها ونطمئن إلى التواريخ الصحيحة الموزونة بميزان المنطق.
المقدمة الخامسة
إذا وقع المجاز من يد العلم إلى يد الجهل ينقلب إلى حقيقة، ويفتح الباب للخرافات. (10)
فالمجازات والتشبيهات إذا ما اقتطفتهما يسارُ الجهل المظلم من يمين العلم المنوّر، أو استمرتا وطال عمرُهما، انقلبتا إلى «حقيقة» مستفرغة من الطراوة والنداوة، فتصير سراباً خادعاً بعدما كانت شراباً زلالاً، وتصبح عجوزاً شمطاء بعدما كانت فاتنة حسناء.
نعم، إن شعلة الحقيقة إنما تتلمع من المجاز بشفافيته. ولكن بتحوله إلى حقيقة يُصبح كثيفاً قاتماً يحجب الحقيقة الأصلية. فهذا التحول قانون فطري، فإن أردت شاهداً عليه فراجع أسرار تجدد اللغات وتغيراتها، والاشتراكَ والترادف في الأمور. أنصت إليها جيداً تسمع حتماً أن كثيراً من الكلمات أو الحكايات أو الخيالات أو المعاني التي كان السلف يتذوقونها، لم توافق الرغباتِ الشابة لدى الخَلَف، لأنها غدت عجوزاً لا زينة لها. لذا أصبحت سبباً لدفعهم إلى ميل التجدد والرغبة في الإيجاد، والجرأة على التغيير.
هذه القاعدة جارية في اللغات مثلما هي جارية في الخيالات والمعاني والحكايات. ولهذا لا ينبغي الحكم على أي شيء بظاهره؛ إذ من شأن المحقق:
سبر غور الموضوع.. والتجرد من المؤثرات الزمانية.. والغوص في أعماق الماضي.. ووزن الأمور بموازين المنطق.. ووجدان منبع كل شيء ومصدره.
ومما أطلَعني على هذه الحقيقة ودلّني عليها هو حدوث خسوف القمر زمن صباي، إذ
إن إسناد قسم من الأحاديث الموضوعة إلى «ابن عباس» رضي الله عنه وأمثالِه من الصحابة الكرام، لأجل الترغيب أو الترهيب، إثارةً للعوام وحضاً لهم، إنما هو جهل عظيم.
نعم، إن الحق مستغنٍ عن هذا، والحقيقة غنية عنه؛ فنورُهما كافيان لإنارة القلوب. تسعنا الأحاديث الصحيحة المفسِّرة الحقيقية للقرآن الكريم، ونثق بها ونطمئن إلى التواريخ الصحيحة الموزونة بميزان المنطق.
المقدمة الخامسة
إذا وقع المجاز من يد العلم إلى يد الجهل ينقلب إلى حقيقة، ويفتح الباب للخرافات. (10)
فالمجازات والتشبيهات إذا ما اقتطفتهما يسارُ الجهل المظلم من يمين العلم المنوّر، أو استمرتا وطال عمرُهما، انقلبتا إلى «حقيقة» مستفرغة من الطراوة والنداوة، فتصير سراباً خادعاً بعدما كانت شراباً زلالاً، وتصبح عجوزاً شمطاء بعدما كانت فاتنة حسناء.
نعم، إن شعلة الحقيقة إنما تتلمع من المجاز بشفافيته. ولكن بتحوله إلى حقيقة يُصبح كثيفاً قاتماً يحجب الحقيقة الأصلية. فهذا التحول قانون فطري، فإن أردت شاهداً عليه فراجع أسرار تجدد اللغات وتغيراتها، والاشتراكَ والترادف في الأمور. أنصت إليها جيداً تسمع حتماً أن كثيراً من الكلمات أو الحكايات أو الخيالات أو المعاني التي كان السلف يتذوقونها، لم توافق الرغباتِ الشابة لدى الخَلَف، لأنها غدت عجوزاً لا زينة لها. لذا أصبحت سبباً لدفعهم إلى ميل التجدد والرغبة في الإيجاد، والجرأة على التغيير.
هذه القاعدة جارية في اللغات مثلما هي جارية في الخيالات والمعاني والحكايات. ولهذا لا ينبغي الحكم على أي شيء بظاهره؛ إذ من شأن المحقق:
سبر غور الموضوع.. والتجرد من المؤثرات الزمانية.. والغوص في أعماق الماضي.. ووزن الأمور بموازين المنطق.. ووجدان منبع كل شيء ومصدره.
ومما أطلَعني على هذه الحقيقة ودلّني عليها هو حدوث خسوف القمر زمن صباي، إذ
Yükleniyor...