إلّا تأسُّسه على الحقيقة وتقلّدُه البرهان ومشاورتُه العقل واعتلاؤه عرشَ الحقيقة ومطابقتُه دساتير الحكمة المتسلسلة من الأزل إلى الأبد ومحاكاتُه لها.

ألَا يشاهَد كيف يحيل القرآنُ الكريم في فواتح أكثر الآيات وخواتمها البشرَ إلى مراجعة الوجدان واستشارة العقل بقوله تعالى ﹛﴿ اَفَلَا يَنْظُرُونَ ﴾|﹜ و ﹛﴿ فَانْظُرُوا ﴾|﹜ و ﹛﴿ اَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ﴾|﹜ و ﹛﴿ اَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾|﹜ و ﹛﴿ تَتَفَكَّرُوا ﴾|﹜ و ﹛﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ ﴿ يَعْقِلُونَ ﴾|﹜ و ﹛﴿ لَا يَعْقِلُونَ ﴾|﹜ و ﹛﴿ يَعْمَلُونَ ﴾|﹜ و ﹛﴿ فَاعْتَبِرُوا يَٓا اُو۬لِي الْاَبْصَارِ ﴾|﹜ ( الحشر: ٢ ) .

وأنا أقول أيضاً: فاعتبروا يا أولى الألباب.

خاتمة:

فيا أولى الألباب! انفُذوا من الظاهر إلى الحقيقة فهي تنتظركم، وإذا ما شاهدتموها فلا تؤذوها. هكذا ينبغي، وهذا هو الألزم.

المقدمة التاسعة

لقد تحققت لدى العقول السليمة:

أن الخير هو الأصلُ في العالم، أما الشرّ فهو تبعي، فالخيرُ كلّي والشر جزئي.

إذ يشاهَد أنه قد تكوَّن -وما زال يتكون- علمٌ خاص لكل نوع من أنواع العالم؛ والعلم عبارة عن قواعدَ كلية. فإذا كانت الكليةُ قاعدةً، فهي إذن كشّافةٌ عن حسن الانتظام في ذلك النوع. أي إن كل علم من العلوم شاهد صادق على حسن الانتظام.

نعم، الكليةُ دليلٌ على الانتظام، لأن مالا انتظامَ فيه لا كليةَ لحُكمه، بل يكون هزيلاً لكثرة استثناءاته. والذي يزكّي هذا الشهود الاستقراءُ التام (15) بنظر الحكمة. إلّا أنه أحياناً لا يُرى الانتظام، لسعة دائرته عن أفق النظر، فلا يمكن الإحاطة به ولا تصوُّره، وعندئذٍ يصعب أن يبين النظامُ نفسَه.

وبناءً على ما سبق: فقد ثبت بشهادة العلوم جميعها، وبتصديق الاستقراء التام الناشئ من نظر الحكمة: أن الحسنَ والخير والحق والكمال، هو المقصودُ بالذات والغالبُ المطلق في

Yükleniyor...