فهذا إجمالُ دليل الاختراع وإن شئت تفصيلَه بوضوح فادخل جنان القرآن الكريم، فإنه مامن رطب ولا يابسٍ إلّا وتفتح في كتاب مبين زهرةً زاهية أو برعماً لطيفاً.

فإن شاء الله تعالى، ووفقني، وسمح الأجَل، سأعرض اللآلئ التي تزيِّن هذا البرهان مستخرِجاً إياها من أصداف ألفاظ القرآن.

إذا قلت: ما هذه الطبيعة والقوانين والقوى التي يُسَلُّون بها أنفسهم؟

فالجواب: أن الطبيعة هي شريعةٌ إلهية فطرية، أوقعتْ نظاماً دقيقاً بين أفعالِ وعناصرِ وأعضاءِ جسد الخليقة المسمى بعالم الشهادة، هذه الشريعة الفطرية هي التي تُسمى بالطبيعة والمطبعة الإلهية.

نعم، إن الطبيعة هي محصّلةُ وخلاصةُ مجموعِ القوانين الاعتبارية الجارية في الكون. أما ما يسمونه ب«القوى» فكلٌّ منها حُكم من أحكام هذه الشريعة. أما القوانين فكل منها عبارة عن مسألة من مسائلها، ولكن لاستمرار أحكام هذه الشريعة واطّراد مسائلها، وتهيؤ النفوس التي ترى الخيالَ حقيقةً وتُريها هكذا، تَسلّطَ الخيالُ وضيقُ الفهم، فتجسمت الطبيعةُ حتى أصبحت موجوداً خارجياً وتنزّلت من الخيال إلى المثال. وكم للوهم من حِيل تروجُ.

لا يَقنع العقل ولا ينجذب الفكر ولا يأنس نظرُ الحقيقة إلى كون آثار القدرة -التي تتحير منها العقول- صادرةً من صنعة هذه الطبيعة الشبيهة بالمطبعة، أو من أمور يسمونها قوى عامة. علماً أنها تفتقر إلى قابليةٍ لتكون مصدراً أو علّةً لوجود هذه الكائنات. فليس إذن إلاّ التغافلُ عن الله الحكيم وإلاّ الاضطرارُ المتولد من إلجاءات الانتظام الجاري في الكون فيتخيلون الطبيعة مصدراً، وهي ليست إلّا مِسطراً، وما محاولة إنتاج الملزوم الأخص من اللازم الأعم إلّا قياسٌ عقيم. وهذا القياس العقيم فَتَح الطرقَ الكثيرة إلى أودية الضلالة والحيرة.

إن الشريعة -والقانون- هي نظام الأفعال الاختيارية، فمع كثرة المخالفات والخروقات، يتصور كثير من الجهلة كأن الشريعة حاكم روحاني، ويتصورون النظام كأنه سلطان معنوي، فيتخيلون أن لهما تأثيراً.

فالبدوي الذي لم يرَ الحضارة، إذا ما شاهد حركاتِ الجنود في طابور، حركةً مطردة

Yükleniyor...