المسألة الثامنة

إن مما ورّط الظاهريين، بل السبب الأول الذي دفعهم إلى القلق والتردد، هو: التباس الإمكانات بالوقوعات، (42) والخلط بينهما.

فيقولون مثلاً: إذا كان الشيء هكذا، فهو ممكن في القدرة الإلهية، وهو أدلّ على عظمته تعالى في عقولنا، فهو إذن واقع!...

هيهات! أيها المسكين! أين عقولكم من أن تكون مهندسة الكون؟ فأنتم عاجزون عن أن تحيطوا بالحسن الكلي بعقلكم الجزئي هذا! لو كان أنف بطول ذراع من ذهب ربما يستحسنه من حصر فيه النظر!

ثم إن الذي حيّرهم، هو توهمهم منافاة الإمكان الذاتي لليقين العلمي، فيتقربون إلى مذهب «اللاأدرية» (43) بترددهم وتشككهم في العلوم العادية اليقينية، بل لا يخجلون، إذ يلزم مسلكهم هذا أن يتشكك الإنسان في أمور بديهية كوجود بُحيرة «وَانْ» وجبل «سبحان»، لأن هذا ممكن في مسلكهم، أي أن تنقلب بحيرة «وان» إلى دبس، وينقلب جبل «سبحان» إلى عسل مغطى بالسكر! أو أنهما يذهبان إلى بحر العدم -كقسم من أصدقائنا الذين لم يرضوا بكروية الأرض فسافروا فزلّت أقدامهم- بمعنى: يلزم عدم التصديق بالحال السابقة للبحيرة والجبل!

أيها المحرومون من المنطق! أين أنتم؟ تأملوا! فقد تقرر في علم المنطق: أن الوهميات التي في المحسوسات، من البديهيات. (44) فإن أنكرتم هذه البداهة، فليس لي إلّا أن أقدم لكم التعازي بدل النصائح بموت العلوم العادية، بينما السفسطة قد بعثت لديكم.

البلاء الرابع: الذي شوّش أهل الظاهر هو: التباس الإمكان الوهمي بالإمكان العقلي. (45)

Yükleniyor...