والمعنوي، ومركز انتظام أحوالِ كثير من الأنواع التي ضمّتها تحت تصرفها قوةُ العقل.. هذه النبوة المطلقة برهانُها رُقِيُّ الإنسان على الحيوانية في ثلاث نقط:

النقطة الأولى:

إدراكُ الإنسان وكشفه عن الترتيب في الأشياء، الناشئ من العلل المترتبة المتسلسلة في الخلقة.. وقابليتُه العلمية والتركيبية، ومعرفتُه الحاصلة من تحليله مركباتِ بذور كمالات الإنسانية إلى بسيطات، وإرجاعِها إلى أصلها.. وقدرتُه على محاكاة الطبيعة، ومساوقةِ نواميس الله الجارية في الكون بصنعته ومهارته، بالسر الكامن في القاعدة: «بدايةُ الفكر نهايةُ العمل، نهاية الفكر بداية العمل».

فالإنسان الذي هذه قابلياتُه، يدرك قصورَ نظره في صنعته، وزحمةَ الأوهام عليه، وافتقارَه في جبلته الإنسانية.. ممّا يدلّه على حاجته الماسة إلى نبي مرشد، يحافظ على موازنة النظام المتقن في العالم.

النقطة الثانية:

هي استعدادُ الإنسان غير المتناهي، وآمالُه ورغباته غير المحصورة، وأفكارُه وتصوراته غير المحدودة، وقوتُه الشهوية والغضبية غير المحدّدة.

فنرى الإنسان يتأسفُ ويتأفف ويقول: ليت كذا وكذا، حتى لو مُنح ملايينَ السنين من العمر وتَمَتَّعَ بلذائذ الدنيا وحَكَم حكماً نافذاً في كل شيء.. وذلك بحكم اللاتناهية المغروزة في استعداده، فكأن عدمَ الرضا هذا يرمز ويشير إلى أن الإنسان مرشّح للأبد، ومخلوق للسعادة الأبدية. كي يتمكن من تحويل استعداده غير المحصور من طور القوة إلى طور الفعل في عالم غير متناهٍ وغير محدود بحدود، وأوسعَ بكثير من عالمه هذا.

إن عدم العبثية، وثبوتَ حقائق الأشياء تومئان إلى أن هذه الدنيا الدنيةَ الضيقةَ المحصورة، وتَزَاحُمَ كثير من الأعراض فيها والتي لا تخلو من التحاسد والاضطراب، لا تسعُ كمالاتِ الإنسانية، بل تحتاج تلك الكمالاتُ إلى عالَم أرحب لا تَزَاحُمَ فيه، كي يتسنبل استعدادُ البشر وينمو نمواً كاملاً، فيكونَ منسجماً مع نظام العالم بانتظام أحوال كمالاته.

Yükleniyor...