رابعاً: إن وجه المشابهة والمناسبة من حيث البلاغة هو:

لو فرضنا شخصاً ركب منطاد الخيال، فصعد إلى السماء بعيداً عن الأرض؛ فإذا نظر إلى سلسلة الجبال من هناك وتخيلَ الطبقة الترابية خيام البدو المفروشة على الأوتاد، والجبالَ المنفردة خيمة منصوبة على عماد.. أتراه قد خالف طبيعة الخيال؟ ولو تصورتَ وصوّرتَ لبدويّ تلك السلاسل الجبلية -مع المستقلة بذاتها- خيامَ قبائل الأعراب ضُربتْ في صحراء الأرض مع تخللها خياماً مفردة، لم تبعد عن أساليب العرب الخيالية.. أو لو تصورتَ أنك قد تجردت من هذا العالم المشيد، وبدأت تتأمل في الأرض التي هي مهد البشرية بمنظار الحكمة وفي السماء التي هي السقف المرفوع، وتخيلتَ بعد ذلك أن السماء المحددة بدائرة الأفق المماسة معها، كالفسطاط المضروب على الأرض، المرتبط بأوتاد الجبال، فإنك لا تُتهم في خيالك هذا .

سيرد مثال أو مثالان لهذا الأمر في ختام المسألة الثامنة.

المسألة السابعة

إن ﹛﴿ دَحٰيهَا ﴾|﹜ و ﹛﴿ سُطِحَتْ ﴾|﹜ و ﹛﴿ فَرَشْنَاهَا ﴾|﹜ و ﹛﴿ تَغْرُبُ ف۪ي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾|﹜ وما شابهها من الآيات المذكورة في القرآن الكريم، يتشبث بها أهلُ الظاهر إرباكاً للأذهان، ونحن لسنا بحاجة إلى الدفاع، لأن المفسرين العظام قد كشفوا سرائرَ ما في ضمائر هذه الآيات، ما فيه الكفاية، فلم تبق لنا حاجة. وقد أعطوا درساً للعبرة، وسطروا السطر الأساس لنحذو حذوهم.

ولكن بكوا قبلي فهيّجوا لي البكاء وهيهات ذو رحم يرق لبكائي

إن إعلام المعلوم، لاسيما إن كان مشاهَداً عبثٌ، كما هو معلوم. أي لابد من وجود نقطة غرابة تُخرجه من العبثية.

فلو قيل: انظروا إلى الأرض كيف جعلناها مسطحة ومهداً مع كرويتها، وقد نجت من تسلط البحار.. أو إذا قيل: انظروا كيف تجري الشمس لتنظيم معيشتكم مع استقرارها... أو مثل: انظروا كيف تغرب الشمس في عين حمئة وهي بعيدة عنا ألوف السنين.. عند ذلك تخرج معاني الآيات من الكناية إلى الصراحة.

نعم، إن نقاط الغرابة هذه هي نكات بلاغية.


Yükleniyor...