المسلك الأول للنبوة

يعني لا بد من معرفة أربع نكت لنرَ ذاته الشريفة:

إحداها: أنه «ليس الكَحَلُ كالتكَحِّل» (73) أي لا يصل الصنعيُّ والتصنعيُّ -ولو كانا على أكملِ الوجوه- مرتبةَ الطبيعيّ والفطريّ ولا يقوم مقامَه، بل تومئ فلتاتُ هيئتِه العامةِ إلى التصنع والتكلف.

ثانيتها: أن الأخلاق العالية إنما تتصل بأرض الحقيقة ب«الجدية»، وأن إدامة حياتها وانتظام مجموعها إنما هي ب«الصدق»، ومتى ما انقطعت عرى الصدق والجدية منها صارت كهشيم تذروه الرياح.

ثالثتها: من القواعد وجودُ الميل والجذب في الأمور المتناسبة، ووجودُ التدافع والتنافر في الأمور المتضادة، فكما أن هذه القاعدة جاريةٌ في الماديات، جارية أيضاً في الأخلاق والمعنويات.

رابعتها: «للكل حكمٌ ليس لكلٍّ».. إن آثار محمد ﷺ وسيرته المباركة وتاريخ حياته تشهد -مع تسليم أعدائه- بأنه لعلى خلق عظيم، وأنه قد اجتمعت فيه الخصال العالية كافة. ومن شأن امتزاج كثرة من تلك الأخلاق وتجمّعها وإحاطتها، توليد عزة النفس، التي تولّد شرفاً ووقاراً يترفعان عن سفساف الأمور، كترفع الملائكة وتنزههم عن الاختلاط بالشياطين... فالأخلاق السامية كذلك لا تسمح أصلاً بتداخل الحيلة والكذب بينها، بل تتنزه وتتبرأ وتترفع عنها، بحكمة التضاد فيما بينها.

ثم إن حياةَ هذه الأخلاق الرفيعة وروحَها هي: الصدقُ وإصابةُ الحق... فهما يضيئان كالشعلة المنورة ويعلنان عنها.

أيها الأخ! ألا ترى أن الشخص المشتهر بالشجاعة وحدَها يترفع عن الكذب، لئلا يخل بالمقام الذي تعطيه تلك الصنعة، فكيف إذا اجتمعت جميعُ الخصال الرفيعة؟ نعم، للكلِّ حكمٌ ليس لكلٍّ.


Yükleniyor...