وحيث إن عالم الرؤيا ظل عالم المثال، وهذا ظل لعالم البرزخ، لذا أصبحت دساتيرُ هذه العوالم متماثلة.

∗ ∗ ∗


﹛﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ اَوْ فَسَادٍ فِي الْاَرْضِ فَكَاَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَم۪يعًا وَمَنْ اَحْيَاهَا فَكَاَنَّمَٓا اَحْيَا النَّاسَ جَم۪يعًا ﴾|﹜ (المائدة:٣٢).


هذه الآية الكريمة حق خالص ولا تنافي العقل قطعاً، وهي حقيقة محضة لا مبالغة فيها قط، إلّا أن النظر الظاهري يدعو إلى التأمل:

فالجملة الأولى:

تضع اعظم دستور للعدالة المحضة التي تقرِّر: لا يُهدر دمُ بريء ولا تزهق روحه حتى لو كان في ذلك حياةُ البشرية جمعاء، فكما أن كليهما في نظر القدرة الإلهية سواء فهما في نظر العدالة سواء أيضاً. وكما أن نسبة الجزئيات إلى الكلي واحدة كذلك الحق في ميزان العدالة، النسبة نفسها. ولهذا فليس للحق صغير وكبير.

أما العدالة الإضافية فهي تفدى بالجزء لأجل الكل بشرط أن يكون لذلك الجزء المختار الرضا والاختيارُ صراحة أو ضمناً، إذ عندما يتحول «أنا» الأفرادِ إلى «نحن» الجماعةِ ويمتزج البعض بالبعض الآخر مولِّداً روحَ الجماعة، يرضى الفرد أن يضحي بنفسه للكل.

وكما يتراءى النور كالنار، تتراءى أحياناً شدةُ البلاغة مبالغةً.

وهنا نقطة البلاغة تتركب من ثلاث نقاط:

أولاها: لإظهار عدم محدودية استعداد العصيان والتهور المغروز في فطرة الإنسان. فكما أن له قابلية غير محدودة للخير فله قابلية غير متناهية للشر أيضاً؛ بحيث إن الذي تَمَكَّن فيه الحرصُ والأنانية يصبح إنساناً يريد القضاء على كل شيء يقف دون تحقيق حرصه، حتى تدمير العالم والجنس البشري إن استطاع.

ثانيتها: لزجر النفس، بإظهار قوة الاستعداد الفطري الكامن، في الخارج. أي بإظهار الممكن في صورة الواقع، بمعنى أن بذرة العِرق النابض بالغدر والعصيان كأنها انفلقت من


Yükleniyor...