فيها، حتى تجردت أفكارُهم وتعرّت أذهانُهم عن فهم الألوهية وابتعدوا عنه، بل أعطوا المادة قيمةً وأهمية عظيمة حتى رأوا فيها كل شيء، بل ولَج قسمٌ منهم في مسلك دنيء حيث مزجوا الألوهية بالمادة.

أما أهل «وحدة الشهود» -وهم المحققون الصوفيون- فقد حصروا نظرهم في واجب الوجود حتى لم يروا للممكنات قيمة، فقالوا: «هو الموجود».

الإنصاف الإنصاف أيها الناس! فالبُعد بين المذهبين بُعدُ الثرى عن الثريا. أُقسم بالله الذي خلق المادة بأنواعها وأشكالها، لا أرى في الدنيا أبشع وأخسّ وأنعى على صاحبه بانحراف مزاج عقله من الرأى الأحمق الذي ينتج التماسّ بين هذين المسلكين.

تنوير:

لو افتُرض -مثلاً- أن الكرة الأرضية قد تشكلت من قِطَع زجاجية صغيرة جداً ومختلفة الألوان، فلا شك أن كل قطعة ستستفيض من نور الشمس حسب تركيبها وجرمها ولونها وشكلها.

فهذا الفيض الخيالي ليس الشمسَ بذاتها ولا ضياءَها بعينه.

فلو نطقت ألوانُ الأزهار الزاهية المتجددة والتي هي تجليات ضياء الشمس وانعكاسات ألوانه السبعة، لقال كل لون منها: إنَّ الشمس مثلي، أو إن الشمس تخصّني أنا.

آنْ خَياَلَاتِى كِه دَامِ أَوْلِياسْت عَكْسِ مَهْرُويَانِ بُوسْتاَنِ خُدَاسْت (69)

ولكن مشرب أهل وحدة الشهود هو: الصحو والتمييز والانتباه، بينما مشرب أهل وحدة الوجود هو: الفناء والسُكر. والمشرب الصافي هو مشرب الصحو والتمييز.

«تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ الله وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَاتِهِ فَإنَّكُمْ لَنْ تَقْدِرُوا» (70)

حَقِيقَةُ الْمَرْءِ لَيْسَ الْمَرْءُ يُدْرِكُهَا فَكَيْفَ كَيْفِيَّةُ الْجَبَّارِ ذِي الْقِدَمِ

هُوَ الَّذِي أبْدَعَ اْلأشْياَ وَأنْشَأَهَا فَكَيْفَ يُدْرِكُهُ مُسْتَحْدَثُ النَّسَمِ (71)

Yükleniyor...