مقدمة المترجم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه.

وبعد: فقد أعلن السلطان عبد الحميد الثاني «المشروطيةَ» (1) في ٢٣/ تموز/ ١٩٠٨م، وهي تعنى تأسيس النظام البرلماني في الدولة العثمانية التي أصبحت بموجبها الوزارة مسؤولة تجاه البرلمان وليس تجاه السلطان، كما أن صلاحية تشريع القوانين غدت من اختصاص البرلمان، وأطلقت على أثرها حرية العمل السياسي وحرية الصحافة وغيرها..

كانت وجهات نظر الناس عامة والمثقفين خاصة متباينة حول «المشروطية»، إذ بدأت الفئات المختلفة تفسّر «الحرية» بالشكل الذي يروق لها، فبينما اندفعت فئة في تأييد المشروطية ومناصرتها بشدةٍ بغيةَ جرّها لأغراض سياسية واجتماعية وصولاً إلى مآربهم في تقويض الدولة العثمانية، إذا بآخرين يتوجسون خيفةً من هذا الانقلاب الذي حدث في نظام الدولة، وفي الوقت نفسه وقف آخرون مبهوتين لا يتقدمون خطوة ولا يتأخرون، بينما صفق لها غيرهم من المفتونين بحضارة أوروبا المبهورين ببريقها.. وهكذا اختلفت الآراء..

أما بديع الزمان سعيد النورسي فقد سلك مسلك الاعتدال، مسترشداً بالنهج الإسلامي السالم من التعصب الذميم الذي يعيق كل تجدد، والمبرأِ عن اللهاث وراء الغرب وتقليده تقليداً أعمى. فناصر مفهوم «الحرية» و«الشورى» ضمن ما هو واضح في الإسلام، ودافع عن «المشروطية» المحددة بحدود الشرع، فكتب مقالات عديدة في الصحف المحلية آنذاك، وألقى كثيراً من الخطب في الاجتماعات التي عقدت في الميادين العامة والجوامع، مبيِّناً مفهوم الحرية والشورى في ضوء الإسلام، ومحذِّراً من التعصب المقيت والتقليد المشين، إذ شعر بمحاولات خبيثة تعمل في الخفاء لاستغلال «المشروطية» وتوجيهها لمصلحةِ مغرضين مناهضين

Yükleniyor...