وهكذا فقياس واجب الوجود بالممكنات قياسٌ مع الفارق، ومن الخطأ المحض المحاكمةُ العقلية بالوهم الباطل المذكور.

فبناء على هذا الخطأ المشين للأدب، وتسلُّط الوهم الباطل، اعتقدَ الطبيعيون تأثيرَ الأسباب تأثيراً حقيقياً، وادّعى المعتزلة أن الحيوان خالقُ لأفعاله الاختيارية، ونفى الفلاسفةُ علمَ الله بالجزئيات، وقال المجوس: إن للشر خالقاً غيرَه تعالى؛ إذ ظنوا وتوهموا أن الله تعالى بعظمته وكبريائه وتنزُّهه، كيف يتنزل إلى الاشتغال بمثل هذه الأمور الجزئية الخسيسة. فتبّاً لعقولهم التي حبست نفسَها أسيرة في هذا الوهم الباطل.

أيها الأخ! إن هذا الوهم إن لم يَرد من جهة الاعتقاد، فقد يَستحوِذ على المؤمنين من حيث الوسوسة.

فإن قلت: إن دليل الاختراع هو إعطاء الوجود، وإعطاءُ الوجود يصاحب إعدامَ الموجود، بينما عقولُنا لا تستوعب ظهور الوجود من العدم الصِّرف، وانقلابَ الوجود المحض إلى العدم المحض.

فالجواب: يا هذا ! إن ما تستصعبونه وتستغربونه في تصوركم هذه المسألةَ، هو النتيجة الوخيمة لقياس خادع مضلّ، إذ تقيسون الإيجادَ والإبداع الإلهي بكسب العبد وصَنعته، والعبدُ عاجز عن إماتة ذرة وإحيائها، وليس له إلّا الصنعة والكسب في الأمور الاعتبارية والتركيبية.

نعم، إن هذا القياس خَدَّاع لا ينجو الإنسان منه.

وحاصل الكلام: لمّا لم يرَ الإنسانُ في الكائنات قدرةً وقوةً تتملكها الممكنات إلى درجة تتمكن بها الإيجادَ من العدم المحض، وبَنَى حُكمَه على مشاهداته وأنشأه منها، إذ نظر إلى الآثار الإلهية من جهة الممكنات، بينما عليه أن ينظر إليها من جهة القدرة الإلهية الثابتة بآثارها المحيرة للألباب... فتراه يفرض الصانعَ الجليل في قوةِ وقدرةِ العباد الذين لا تأثير لهم إلّا في الأمور الاعتبارية. أي في قوة موهومة. فينظر إلى المسألة من هذه الزاوية، مع أنه يجب عليه أن ينظر إليها من جانب القدرة التامة للواجب الوجود.

Yükleniyor...