إنما يتحصل بتلقين العادات والوقوعات.. وإن نور نظر البشر لا ينفذ في المستقبل ولا يرى الكيفيات المخصوصة به.. وإن لقانون البشر عمراً طبيعياً ينقطع وينتهي كما ينتهي عمره.. وإن للمحيط الزماني والمكاني تأثيراً عظيماً في أحوال النفوس.. وإن كثيراً من الخوارق الماضية قد يكون اعتيادياً الآن بسبب تكمّل المبادئ.. وإن الذكاء ولو كان خارقاً لا يكفي في كمال علمٍ، فكيف في علوم عدة!

فيا أيها الأخ! شاور هذه القواعدَ، ثم جرد نفسك، وانزع عنك لباس الخيالات المحيطة والأوهام الزمانية، ثم غُصْ من ساحل هذا العصر في بحر الزمان، حتى تخرج إلى جزيرة عصر السعادة النبوية..

فأول ما يتجلى لعينك أنك ترى: إنساناً وحيداً لا ناصر له ولا سلطان، يبارز العالَم وحده، وقد حمل على كاهله حقيقةً أجلَّ من كرة الأرض، وأخذ بيده شريعةً هي كافلةٌ لسعادة الناس كافة. وتلك الشريعة كأنها زبدة جميع العلوم الإلهية وخلاصة الفنون الحقيقية. وتلك الشريعة ذات حياة -لا كاللباس بل كالجلد- تتوسع بنمو استعداد البشر وتثمر سعادةَ الدارين، وتنظّم أحوال نوع البشر كأنهم في مجلس واحد. فإن سألت قوانينَها: من أين إلى أين؟ لقالت بلسان إعجازها: نجيء من الكلام الأزلي، ونرافق فكر البشر لضمان سلامته ونتوجّه إلى الأبد. وبعد ما نقطع هذه الدنيا الفانية، تبقى معنوياتُنا دليلاً وغذاءً روحياً للبشرية، مع أننا نفارقهم صورة.

خاتمة:

إن الشبهات والريوب منبعها ثلاثة أمور وهي:

أنك لو تجاهلت عن مقصد الشارع، وعن كون الإرشاد بنسبة استعداد الأفكار، واعترضت بمغالطة -هي وكر الأوهام السيئة- بأن القرآن الكريم الذي هو أساس الشريعة فيه ثلاث نقاط:

أولاها: وجود المتشابهات والمشكلات في القرآن، وهذا مناف لإعجازه المؤسس على البلاغة، المبنية على ظهور البيان ووضوح الإفادة.


Yükleniyor...