ولو كنا نضحي بألوفٍ من الشهداء في سبيل هذين الانقلابين لكنا نعدها ضئيلة، ولكن لو ضُحيَ بجزء من ألفِ جزءٍ من طاعتكم فهو غال جداً. لأن تناقص طاعتكم يولد الموت، كتناقص الحرارة الغريزية والعقدة الحياتية.

إن تاريخ العالم يشهد أن تدخل الجنود في السياسة قد أدّى إلى أضرار جسيمة للدولة وللأمة معاً. فلابد أن حميتكم الإسلامية ستَصْرِفكم عن مثل هذه الأضرار التي تصيب حياة الإسلام التي تكفلتم بحفظها.

إن الذين يفكرون في السياسة هم بمثابة قوتكم المفكرة من أولياء الأمور والضباط. إن ما تظنونه -أحياناً- من ضرر يصبح خيراً، لأنه يدفع ضرراً أكبر في السياسة. فضباطكم حسب تجاربهم يرون هذا الأمر ويأمرونكم به. فعليكم الطاعة دون تردد، إذ لا يجوز التردد والتلكؤ.

إن الأفعال غير المشروعة الخاصةَ لا تنافي المهارة والحذاقة في الصنعة ولا تجعل الصنعة غير مرغوب فيها. فالطبيب الحاذق مثلاً أو المهندس الماهر إذا ما تَصرف تصرفاً غير مشروع فلا يؤدي ذلك إلى ترك الاستفادة مما لديه من طب أو هندسة، كذلك فن الحرب، فضباطكم المجربون والماهرون المنورون فكراً بالحمية الإسلامية، إذا قام بعضٌ منهم بأمر غير مشروع لا يجوز أن يؤدي ذلك إلى عدم طاعتهم وعصيانهم لأن فن الحرب مهارة مهمة.

إن الشريعة الغراء التي هي قوام حياتكم قد ابتلعت الجمعياتِ التي تُشتت الأفكارَ وتفرّق الناس. فهي كاليد البيضاء لسيدنا موسى عليه السلام أَرغمت السَّحَرَةَ على السجود.

إن أعمالكم كانت علاجاً لهذه الحركات الانقلابية. فإذا ما زادت قليلاً انقلبت سماً قاتلاً وأدّت بالحياة الإسلامية إلى أمراض جسام. ثم إن ما فينا من استبداد قد زال بهمتكم، ولكن نحن لا زلنا تحت الاستبداد المعنوي لأوربا في مضمار الرقي.

فلابد من الالتزام بأقصى درجات الحذر والسكينة والهدوء.

فلتحيا الشريعة الغراء، فليعش الجنود.

§سعيد النورسي>

∗ ∗ ∗


Yükleniyor...