والضلال في هذه الدنيا، في معظم الموازنات التي تعقدها، فتنفِّر أشدَّ الناس اتباعاً لهواهم وأكثرهم تعنّتاً وعناداً، من الخوض في متعهم المحرّمة وسفاهتهم المشؤومة، وتدفع بالعقلاء منهم إلى طَرقِ باب التوبة والاستغفار.

وعلى سبيل المثال: الموازناتُ المبسطة التي تتضمنها الكلمات: السادسة، والسابعة، والثامنة من «الكلمات الصغيرة»، والموازنة المطوّلة التي يتضمنها الموقف الثالث من الكلمة الثانية والثلاثين... هذه الموازنات تَحْمِل أشد الناس سفاهة وضلالة على الرهبة والرعب، وعلى قبول إرشادها والاتعاظ بها.

ومثلاً: نشير هنا باختصار إلى ما رآه (أي سعيد القديم) من حقائق في إثناء تجوالٍ خيالي من خلال التدبر في آية «النور». وتفصيله في «القسم الخامس من المكتوب التاسع والعشرين من مجموعة المكتوبات» فمن شاء فليراجعه. والخلاصة هي:

أنني في أثناء سياحتي الخيالية تلك، رأيت عالمَ الحيوان، ذلك العالم المحتاج إلى الرزق والتقوّت. وعندما تأملته من وجهة نظر الفلسفة المادية، أَظْهَرَ لي -ذلك العالَمَ من الأحياء- عالماً رهيباً مؤلماً؛ بما فيه من ضعف وعجز فضلاً عن مسيس احتياجه وشدة جوعه!

ولما كنت أنظر إليه بعين أهل الضلال والغفلة أطلقتُ صرخةً ملؤها الألم والحزن، وإذا بي أرى ذلك العالم بمنظار الإيمان وحكمة القرآن، فإذا باسم «الرحمن» يشرق من برج «الرزاق» كشمسٍ ساطعة، فأنار ذلك العالمَ الجائع البائس من الأحياء وأسبغ عليه نور رحمته.

ثم رأيت عالَماً آخر في عالم الحيوان هذا، ذلك هو عالَم الأفراخ الصغار التي تنتفض ضعفاً وعجزاً وعَوزاً، وقد تغشاه ظلام محزن أليم، يدعو كل إنسان إلى الإشفاق عليه. ولما كنت أنظر بعين أهل الضلالة، صِحْتُ قائلاً: واحسرتاه! وإذا بالإيمان يمنحني نظّارة، شاهدتُ من خلالها: طلوعَ اسم «الرحيم» من برج «الشفقة»، ينشر أضواءه الزاهية الجميلة، حتى حَوَّلَ ذلك العالمَ المحزن إلى عالم بهيج، وقَلَبَ عبرات الشكوى والألم والحزن المنهمرة من عينيّ إلى دموع الفرح والشكر والامتنان.


Yükleniyor...