المشروطية الشرعية عرش الأفكار، هزّت الحبل المتين للملّية، فاهتز بدوره الإسلام -وهو العروة الوثقى- وعرف كل مسلم أنه ليس هملاً سائباً، بل مرتبطاً بالآخرين بالمنفعة المشتركة والحسّ المجرد، فالمسلمون جميعاً مرتبطون كالعشيرة الواحدة. إذ كما أن الحسنة التي تصدر من فرد من العشيرة يفتخر بها الكل، ويشتركون معه، فلا ينحصر ذلك الشرف على الفرد نفسه، بل يصبح ألوفاً -كالشمعة التي تظهر لها آلاف الصور في آلاف المرايا- فيُمدّ الرابطة الحياتية لتلك العشيرة بالنور والقوة؛ كذلك الأمر إذا ارتكب أحدهم جناية فإن أفراد العشيرة كلهم يُعدّون متَّهَمين معه إلى حدّ ما. فمثلاً: إذا ارتبط أفراد هذا المجلس برباط، وألقى أحدُهم نفسَه في الطين، فإما أن يوقع أصدقاءَه في الطين أو يضجرهم بكثرة الحركة، وبناء على هذا فإن السيئة الواحدة تتصاعد إلى الألف والحسنة المنفردة تصير ﹛﴿ كَمَثَلِ حَبَّةٍ اَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ف۪ي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ﴾|﹜ (البقرة:٢٦١).

فهذا السر الذي يقود إلى التوبة أجهشَ المتيقظين فكراً أو روحاً بالبكاء، ولكن العقل الذي هو في قمة المنارة لا يرى جيداً سببَه الذي هو في قعر بئر الوجدان.

الحاصل: أن المسلمين تنبهوا ويتنبهون (56) وبدأوا يرون الشر شراً والخير خيراً.. فهذا هو السرّ الذي جعل عشائر هذه البوادي والوديان يتوبون إلى الله توبة نصوحاً والمسلمون كلهم بدورهم يستعدّون لكسب هذا السرّ شيئاً فشيئاً.

إلّا أنكم أقرب إلى الملّية الإسلامية لأنكم بدو لم تفسد بعدُ فطرتكم الأصلية.

س: مع علمك بأن إكرام الضيف عادةٌ مستحسنة عندنا، فَلِمَ لا تنزل ضيفاً على أحدنا وتحجم عنا، فعاداتنا هذه قديمة وأصيلة فلِمَ تزيّف هذه العاداتِ وتمنع طلابك من تناول طعامنا وقبول هدايانا، مع أنه واجبٌ علينا خدمتكم والإحسان إليكم، وهو من حقكم علينا.

ج:

أولاً: العلم عزيز، لا أريد أن أُذلّه.. وأريد أن أريَكم أن من أهل العلم من لا يتنزل للدنيا، ولا يجعل صنعة العلم وسيلةَ العيش، وأن الطلاب ليسوا متسولين ولا شحاذين.


Yükleniyor...