القرون الوسطى والقرون الأخرى.. ولم يفرقوا بين قناعتين بعيدتين عن بعضهما «القناعة في التحصيل والكسب» وهي المذمومة و«القناعة في المحصول والأجرة»، وهي الممدوحة.. ولم يتبينوا البون الشاسع بين «التواكل» الذي هو عنوان الكسل و«التوكل» الذي هو صَدَفَة الإخلاص الحقيقي.

فالأول: هو تكاسل في ترتيب المقدمات، وهو في حكم التمرد على النظام القائم بين الأسباب التي هي مقتضى مشيئة الله تعالى. والآخر: هو توكل إيماني في ترتُّب النتائج، وهو من مقتضيات الإسلام، والذي يقود صاحبه إلى التوفيق حتى في النتائج شريطة عدم التدخل في التقديرات الإلهية.

فالتَبَسَ عليهم كلا الأمرين... ولم يتفرسوا سرّ «أمتي.. أمتي» (28) ولا يفهمون حكمة «خير الناس أنفعهم للناس» (29) فهؤلاء هم الذين حطموا ذلك الميل وأطفأوا ذلك الشوق...

والسبب الثاني: هو سلوكنا في المعيشة مسلكاً غير طبيعي، مسلكاً يوافق الكسل ويلائمه، ويداعب الغرور ويربت عليه، وهو المعيشة على الوظيفة الحكومية.. لذا لقينا جزاء ما كسبت أيدينا.

س: كيف؟.

ج: إن الطريق المشروع للمعيشة والسبيل الطبيعي والحيوي إليها هو «الصناعة، والزراعة، والتجارة». أما الطريق غير الطبيعي فهو الوظيفة الحكومية والإمارة بأنواعها. وعندي أن الذين جعلوا مدار معيشتهم «الإمارة» -وإن تسمّت بأي اسم كان- فهم في زمرة الشحاذين العاجزين المتسولين ومن زمرة المخادعين الحيالين.. وفي نظري أن الذي ينخرط في سلك الوظيفة أو الأمارة، فليدخل إليها لأجل الحمية والخدمة للأمة، وإلّا فلو دخلها للمعيشة والمنفعة فحسب، فلا يقوم إلّا بضرب من التسوّل، (30) إذ ثبت أن حصر كل الوظائف فينا، أضاع علينا ثرواتنا بتسليمها ليد الإسراف، وأن حصر العسكرية فينا شتت ذرارينا في الآفاق. فلو كان الأمر يستمر على هذا المنوال لكنا ضائعين منقرضين. فعلى هذا، فإن هذه المسألة، أي


Yükleniyor...