نعم، فكما أن العلماء المحققين دوّنوا قواعدَ علوم العربية، عندما فسدت -باختلاط الأعاجم- حفاظاً على سلامة مَلَكة الكلام المُضَرى؛ كذلك حاول قسمٌ من علماء الإسلام الناقدين فرزَ الفلسفة وتمييزَ الإسرائيليات لمّا دخلتا دائرة الإسلام.

ولكن يا للأسف! لم يوفَّقوا كلياً، فلم يبق الأمرُ عند حدّه، إذ لما صُرفت الهمةُ إلى تفسير القرآن الكريم، طبّق عددٌ من الظاهريين منقولَه على بعض الإسرائيليات، ووَفّقوا بين قسم من معقولِه والفلسفةِ المذكورة، لِمَا رأوا من شموله على المنقول والمعقول. وكذا الحديث النبوي، فبدلاً من أن تُستخرج المقاصد من عين الكتاب والسنة استنبط طائفةٌ مطابقةً وعلاقةً بين بعض نقلياتهما الصادقة وبعض الإسرائيليات المحرّفة، وبين عقلياتهما الحقيقية وهذه الفلسفةِ الموهومة المموَّهة، ظناً منهم أن هذه المطابقةَ والمشابهة تفسيرٌ لمعاني الكتاب والسنة وبيانٌ لمقاصدهما!

كلا.. ثم كلا! لأن مصداق الكتاب المبين إعجازهُ. والقرآن يفسّر بعضُه بعضاً، ومعناه فيه، وصَدَفُه دُرٌّ مثلُه لا قشر. وحتى لو فُرض أن القصدَ من إظهار هذه المطابقة هو تزكيةُ ذلك الشاهد الصادق، فهو عبثٌ أيضاً، إذ القرآن المبين أسمى وأغنى من أن يَفتقر إلى تزكية العقل والنقل اللذين ألقَيا إليه المقاليد، لأنه إن لم يزكّهما فشهادتُهما لا تُسمع.

نعم، يجب البحث عن الثريا في السماء لا في الأرض. فابحث عن معاني القرآن في أصدافه، لا في جيبك الحاوي على أخلاط، فإنك لن تجدَ شيئاً، وحتى لو وجدتَ فالقرآن يرفضُه، إذ لا يحمل طغراءَ البلاغة.

ومن المقرر: أن المعنى هو ما صبّته الألفاظُ في الصماخ نافذاً في الذهن، منتشراً منه إلى الوجدان، مفتّحاً منه أزاهيرُ الأفكار. وإلّا فليس هو ما تسرّب في خيالك من احتمالاتٍ لكثرة توغل أمور أخرى، أو ما سرَقتَه وملأتَ جيبك من أباطيل الفلسفة وأساطير الحكايات، ثم أخفيتَه في معاطف الآيات والأحاديث ثم أظهرتَه ممسكاً به في يدك تبرزه وتنادي: «هذا هو المعنى، هلموا لأخذه» فيأتيك الجواب: يا هذا! إن المعنى الذي استخرجتَه مزيّف، عليه علامةُ التقليد، يردُّه نقاّد الحقيقة، وسلطانُ الإعجاز يطرد من ضرَب سكّتَه، وحكيمُ البلاغة يسجن وهمَك في خيالك بشكوى الآية عليك، لِما تعرضتَ إلى نظامها ونظام الحديث. وطالبُ

Yükleniyor...