إذ إن هذه الإسرائيليات قد تكون مرجعاً لبعض إيماءات الكتاب والسنة، ومصدراً لبعض مفاهيمهما -بوجود علاقة- إلّا أنها لا تكون معنىً للآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. بل لو صحّت ربما تكون أفراداً من معاني ما يصدُق عليه مفهوم الآية والحديث. ولكن المفتونين بالظاهر (8) الذين لم يجدوا -بسوء اختيارهم- مصدراً غيرَه، ولم يتحرّوا عنه، فسّروا قسماً من الآيات والأحاديث بتطبيق الإسرائيليات عليهما. والحال أن الذي يفسّر القرآن ليس إلاّ القرآن والحديث الصحيح، وإلاّ فلا يُفسَّر القرآن بالإنجيل والتوراة المنسوخةِ أحكامُهما والمحرفةِ قصصُهما.
نعم، إن المعنى شيءٌ وما يصدُق عليه المعنى شيءٌ آخر. غير أنه أُقيم ما يمكن أن يكون مصداقاً لشيءٍ مقامَ المعنى، فاختلط كثيرٌ من الإمكانات والاحتمالات مع الوقائع.
ثم لمّا تُرجمت الفلسفة اليونانية في عصر المأمون، لضمّها إلى الفكر الإسلامي، تلك الفلسفة الناشئة من منبع كثير من الأساطير والخرافات، حملَت معها شيئاً من العفونات، وتداخلت في أفكار العرب الصافية، فشوّشت الأفكار إلى حدٍ ما، وفتحت طريقاً من التحقيق إلى التقليد، كما أنها صرفَتهم عن الاستنباط -بقرائحهم الفطرية من معدِن ماءِ حياةِ الإسلام- إلى الافتقار بالتتلمذ على تلك الفلسفة المانعة للكمال.
Yükleniyor...